عليّ عليهالسلام وأجبروه على قبوله ، فمن هم الذين أجبروه على التحكيم وعلى التنازل عن الشرف الذي أولاه المسلمون ، وبالتالي ساووا بينه وبين أحد عمّاله؟ فإنّ التعرّف عليهم أساس القضاء الحق فيما رسمه الكاتب وحررّه. الذين فرضوا التحكيم على علي عليهالسلام لم يكونوا إلاّ رؤوس المحكّمة الاُولى الذين اتّخذهم الكاتب أئمّة وأولياء ، فإنّ الإمام علي عليهالسلام ، فوجىء بمجئ زهاء عشرين ألفاً ، مقنّعين في الحديد ، شاكين سيوفَهم ، وقد اسودّت جباههم من السجود يتقدّمهم مِسْعَر بن فدكي ، وزيد بن حصين ، وعصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج من بعدُ ، فنادون باسمه ، لابإمرة المؤمنين ، وقالوا : يا عليّ أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيِتَ ، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفان ، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم ، فقال الإمام لهم : ويحكم أنا أوّل من دعا إلى كتاب الله ، وأوّل من أجاب إليه ، وليس يحلّ لي ولايَسَعُني في ديني أن اُدْعى إلى كتاب الله فلا أقبله ، فإنّي إنّما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن ، فإنّهم قد عصوا إليه فيما أمرهم ، ونقضوا عهده ونبذوا كتابه ، ولكّني قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم ، وأنّهم ليس العمل بالقرآن يريدون (١).
إنّ حرقوص بن زهير السعدي الذي يُعدّ من الطبقة العليا للمحكّمة الاُولى وكان مرشَّحاً للبيعة في بيت عبدالله بن وهب الراسبي قبله ، كان من المصرّين على قبول التحكيم ، لكنّه رجع عن رأيه وتاب عن كفره بزعمه ، ولمّا دخل على عليّ عليهالسلام ومعه زرعة بن برج الطائي ، فقال له : اُخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم ، فعاتبه الإمام وقال : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كُتِبَ بيننا وبينهم كتاب ... (٢).
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٦٠ ـ ٥٦٤ وغيرها.
٢ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٥٣.