وقد وصل اصرار القوم إلى حدّ هدّدوا حياة الإمام بأنّهم يقضون عليها كما قضوا على حياة عثمان ، فلم يجد الإمام بُدّاً من قبول التحكيم ، وقد بلغ القوم في قلّة الحياء وشكاسة الخلق إلى حدّ فرضوا التحكيم على الإمام أوّلا ، ثمّ فرضوا عليه صيغة الحكم ، ولم يرضوا بمن كان هوى علي عليهالسلام معه ، وقد كان الإمام يصرّ على بعث عبدالله بن عباس أو الأشتر ، ولكنّهم ما رضوا إلاّ بأبي موسى الأشعري الذي كان يَكنّ عداء عليّ في خُلْده لمّا عزله من ولايته.
أبعد هذا يصحّ للكاتب أن يقول« ولكنّه ـ الإمام ـ بدلَ أن يقف موقفه الحازم ويوالي حربه ضد الثائرين حتى يتحقّق النصر ، وقد تحقّقت بشائره ، ويُلْقي البغاةُ أسلحتهم ، ويعودوا إلى صفّ الاُمّة ... بدلا من أن يقف موقفه الحازم ذلك ، استجاب لدعاة الهزيمة وأخذ بنصحية طلاّب الخدعة ... ».
إنّ رؤوس الخوارج هم الذين كانوا يشكِّلون دعاة الهزيمة ، وطلاّب الخدعة ، فلوكان التحكيم جناية فهم أولى بأن يجتنوا ثماره ، ويحملوا أوزاره ، لا الإمام الذي أعطى لهم نصحة الخالص ، ونبّههم على أنّها خديعة ، ظاهره الصلاح وباطنه الفساد و ... أو ليس عاراً على جماعة ، فرضوا على إمامهم التحكيم ، وإدلاءالأمر إلى الحكمين وكتابة ميثاق بين الطرفين ، أن يجيئوا شاهرين سيوفهم ، يطلبون منه نقض الميثاق ورفض العهد الذي كان عنه مسؤولا ، وكأنَّ الخلافة آلة طّيعة بأيديهم يلعبون بها كيف شاءوا.
هؤلاء لم يقدّروا عليّاً ، ولاعرفوا مكانته وصموده في طريق العهد والميثاق ، فما دام الحكمان لم يخرجا عن الطريق المستقيم ، لاينقضُ قوله وعهده ، وإن بلغ ما بلغ ، وإن شهرت الخوارج سيوفهم عليه وعلى الخُلَّص من جيشه.
٢ ـ إنّ عليّاً لم يستجب لدعاة الهزيمة ولم يأخذ بنصيحة طلاّب الخدعة ،