إلا بعد ما تحقّق عجزه عن القيام بمواصلة الحرب ، وتطبيق حكم الله على البغاة ـ أعني معاوية وأتباعه ـ ... لاشكّ انّ حكم الله في حق البغاة هو قتالهم إلى أن يرجعوا إلى صفّ الاُمّة الذي انشقّوا عنه ، وبغوا عليه ، إلاّ أنّ التكليف فرع القدرة وهي فرع طاعة الجيش لرأي قائده الحازم الباسل ، الذي عرفه التاريخ بالبطولة والبسالة والصمود والوقوف في وجه الظالمين ، ولكن يا للأسف انّ أغلبية الجيش انخَدَعُوا بخدعة معاوية ، وأخذوا بمخالفته على حسب ما عرفت ، وعندئذ لاتثريب على الإمام أن يُسلِّم الأمر إلى الحكمين ويقف عن القتال قائلا : ( لاَيُكلِّفُ اللهُ نفساً إلاّ وسْعَهَا ) ، ( ولايُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ ما آتاها ) ويقول : « لقد كنت أمس أميراً ، فأصبحت اليوم مأموراً ، وكنت أمس ناهياً ، فأصبحت اليوم منهيّاً » (١).
إنّ بعض الكُتّاب الجدد من الاباضية يصرّح بأنّ عليّاً قَبِلَ التحكيم مضطرّاً ويقول : « إنّ هذه الخدعة لم تكن لتجوز على علي بن أبي طالب ، وقد أدركها وأدرك حقيقة ماوراءها من الوهلة الاُولى ، وأعلن على الفور رفضه لها وعدم قبوله للتحكيم. إنّ علي بن أبي طالب إنّما قبل التحكيم مضطرّاً ورضي به مكرهاً ازاء ضغط من ضعف أفراد جماعته ، ومن نهضوا بينهم يدعون إلى قبول التحكيم ، وانّ الدعوة التي دعا بها معاوية أحدثت أثرها في خداع الجند ، كما أنّها كانت نكأة لبعض من ضعفت أنفسهم للجهر بها والدعوة إلى الكفّ عن القتال ، وازاء ذلك كلّه لم يكن في وسع عليّ إلاّ أن يرضى بالتحكيم وإن لم يقتنع به ولم تخف نتائجه » (٢).
__________________
١ ـ الرضي : نهج البلاغة قسم الخطب ، الخطبة ٢٠٨.
٢ ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد العماني : ١٠٠.