وقال علي يحيى معمّر :
« كان التحكيم خدعة سياسية يراد بها تفريغ جيش أمير المؤمنين علي عليهالسلام وانّه أولّ من أوائل من تفطّنوا للمكيدة ، ولم يقبل التحكيم إلاّ مكرهاً ، وأنّه أنكره بشدّة وأبان لجيشه ـ الذي عمل فيه الطابور الخامس عمله ـ عواقب تلك المكيدة وأنّه لم يقبل التحكيم إلاّ مضطرّاً عندما وجد جيشه معرّضاً للتفرّق والتمزّق وربّما للتناحر ، وكان على رأي الامام علي عليهالسلام وعلى رأي أصحابه في اعتبار التحكيم مكيدة لاينبغي قبولها ، أكثر أئمة المسلمين منهم الإمامان العظيمان الحسن البصري ومالك بن أنس حسب ما أورده المبّرد في كامله وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة بل أستطيع أن أزعم أنّنا اليوم وفي هذا العصرـ وقد مضى على تلك الأحداث ثلاثة عشر قرناً ونصف ـ عندما نقرأ أخبارها نشعر بالأسف والحسرة ، لأنّ تلك الخدعة الجريئة قد انطلت على أكثرّية جيش عليّ حتى اضطرّ للاستجابة لها ، رغم معرفته القصد منها وتقديره لنتائجها وعلمه علم اليقين أنّ القصد من تلك العملية لم يكن مراعاة للمصلحة العامّة ولانظراً لخير الاُمّة ، ولاتحكّماً للكتاب في شيء جهل فيه حكم الكتاب » (١).
وقال أيضاً : « واختلف أصحاب علي اختلافاً شديداً بين موافق على الطلب ، ومعارض له ، واضطرّ الإمام إلى الموافقة نزولا عند رأي الأغلبية وإن كان رأيه هو خلاف ذلك » (٢).
نحن نسأل الكاتبين عن مسألة التحكيم المفروض على عليّ من جانب جيشه ، فقد اعترفا بأنّ الإمام قبله بعدما عرفه ، دفعاً للتفرقة والتخرّق ، بل
__________________
١ ـ علي يحيى معمّر : الاباضية بين الفرق الإسلامية ١ / ١٩٠ ـ ١٩١.
٢ ـ علي يحيى معمّر : الاباضية بين الفرق الإسلامية ٢ / ١٦٦.