فاختار الاُوّل الخروج وسلّ السيف ، وقتل المخالفين وسبي النساء وأنكر الثاني هذا التطرّف ، كل ذلك حوالي عام ٦٤ إلى ٦٥ من الهجرة ، فقتل الأوّل بسبب تطرّفه في ناحية الأهواز وبقي الثاني يعيش في ظل الاعتدال والتقيّة.
كل ذلك يعرب عن أنّ عبدالله بن اباض كان في تلك الفترة رجلا كاملا لايقلّ عمره عن عمر الدعاة الذين يقودون اُمّة ويتأمّرون عليهم ، ولعلّه كان في تلك الأيام من أبناء الأربعين لو لم يكن أكثر ، فعلى ذلك نخرج بهذه النتيجة انّه كان من مواليد سنة ٢٤ من الهجرة فيكون أصغر بسنتين من جابر بن زيد على رواية أو ستّ سنوات على رواية اُخرى.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر نرى أنّه يخاطب عبدالملك بن مروان في رسالة إليه بقوله : « فلا تسأل عن معاوية ولاعن عمله ولا عن صنعته غير انّا قد أدركناه ورأينا عمله وسيرته في الناس ، ولا نعلم أحداً اترك للقسمة التي قسم الله ، ولالحكم حكمه الله ، ولا أسفك لدم حرام منه » (١).
كل ذلك يعرب عن أنّ عبدالله بن اباض كان رجلا كاملا وداعياً قويّاً إلى خط الاعتدال وكان هو الناطق باسم هذه الجماعة ، فنسب المذهب إليه لأجل ذلك ، فكونه هو المؤسّس للمذهب أو الداعي القوي إلى خط الاعتدال الذي أسّسه أبو بلال هو الأقوى بالنظر إلى النصوص التاريخية ، والناظر إلى رسالته التي كتبها إلى عبدالملك بن مروان يجده مناظراً قويّاً ينقض دليل خصمه بحجّة أقوى من حجّته ، ونذكر منه نموذجاً :
احتجّ عبدالملك على صلاح معاوية بقوله : « إنّ الله قام معه وعجّل نصره وبلّج حجّته وأظهره على عدوّه بالطلب لدم عثمان .... » فأجابه في ذلك
__________________
١ ـ الحارثي : العقود الفضية : ١٢٢ كما في « الإمام جابر بن زيد » وسيوافيك نصّ الرسالة برمّتها عن مصدر آخر.