فلأجل ذلك استعمل ابن زياد (والي البصرة) بعد موت أبيه زياد بن أبيه ، الشدّة والقسوة على جميع المحكِّمة متطرّفيهم ومعتدليهم ، فقتل أبابلال مرداس بن حدير في منطقة نائية عن البصرة (١) كما قتل أخاه عروة بن ادية (٢) في البصرة فقطّع أيديه ثمّ صلبه.
ففي البصرة اتّبع عمّال الأمويين سياسة البطش والتعذيب والنفي والقتل ضدّ معارضيهم بصفة عامّة ، ولم يستثنوا من هذه السياسة جماعة القعدة ، ورغم انّ هذه الجماعة لم تأخذ بأسلوب الخوارج في التطرّف والعدوان ، وترويع الآمنين ، ورفع السيف في وجه الدولة ، إلاّ أنّ عمّال بني اُميّة في بلاد العراق ، شدّدوا عليها خوفاً من دعوتها التي كانت تستسري بين الناس ، وتحاشياً للشرّ قبل وقوعه ، وقمعاً للنفاق قبل أن ينجم.
وازاء هذا الإضطهاد لجأت القعدة إلى السرَّية والكتمان ، وظلّوا على هذا الأمر(إلاّ في فترة ثورة ابن الزبير) حتى جاء عصر الحجاج بن يوسف الذي قام بدوره في اضطهاة من ينكشف لديه أمره (٣).
وبعد ما ثار عبدالله بن الزبير على عمّال يزيد ، ودانت له الحجاز والعراق ، فعند ذلك اجتمعت الخوارج وعلى رأسهم نافع بن الأزرق وعبدالله بن صفّار وعبدالله بن اباض ، فزعموا أنّه ربّما يوجد عنده أُمنيتهم ، ولكن بعدما وقفوا على عقائده في حق عثمان وأصحاب الجمل تفرّقوا عنه ، وغادروا مكّة المكرّمة فمنهم من ذهب إلى البصرة ومنهم من ذهب إلى حضرموت.
وفي هذه اللحظة الحسّاسة بدأ الخلاف بين ابن الأزرق وعبدالله بن اباض
__________________
١ ـ قتل أوائل خلافة « يزيد » في منطقة « آسك » قريبة من الأهواز عام ٦٠.
٢ ـ وهو الذي سلّ السيف على الأشعث بعد عقد التحكيم كما عرفت تفصيله.
٣ ـ الدكتور رجب محمّد عبدالحليم : الاباضية في مصر والمغرب : ٣٢ ـ ٣٣.