فحرّره على شكل قانون يشتمل على مواد ، ثمّ طبّقه تطبيقاً كاملا في مواطن الاباضية ، في ليبيا ، ثمّ في تونس ، ثمّ في الجزائر ، حيث لايزال يطبّق بدقّة ، وعلى هذا الأساس اعتبر المؤرّخون أنّ الإمام أبا عبدالله هو واضع نظام العزّابة ، والحق أنّه يعتبر واضعاً لهذا النظام ، فلولاه لما وصل إلينا على تلك الطريقة المنسّقة ، وقد جاء بعد أبي عبدالله عدد من العلماء الكبار عنوا بدراسة هذا النظام عناية خاصّة ، وأضافوا إليه بعض المواد ، وأطلق عليه بعضهم لفظ « سيرة العزّابة » ومن العلماء الذين عنوا به ، وكتبوا عنه : أبو زكريا يحيى بن بكر ، وأبو عمّار عبدالكافي ، وأبو الربيع سليمان بن يخلف المزاتي ، وقد حرص المتأخّرون منهم أن يضيفوا إليه جملا في آداب العالم والمتعلّم ، وآداب حلقة العزّابة وما يجب أن تتنزّه عنه.
والذي يدرس هذا النظام كما شرحه اُولئك الأئمّة الأعلام يخرج بقانون فذّ لنظم التربية والتعليم من جهة ، وللسيرة الصالحة التي يجب أن يسير عليها المسلمون ، فتحفظ عليهم خلقهم ودينهم ، عندما تسيطر عليهم دول البغي والعدوان.
هذا ملخّص يسير مختصر عن نظام العزّابة الذي بقى يسير به الاباضية في المغرب الإسلامي مُدّة طويلة.
وقد ارتفع حكم العزّابة من مواطن الاباضية ، في ليبيا وتونس في القرن الأخير ، ومنذ ارتفع نظام العزّابة في هذه المواطن تسرّب الفساد إلى المجتمع ، ولن يستطيع الاباضية أن يعودوا إلى ما كانوا عليه من دين وخلق واستقامة مالم يعودوا إلى الاستمساك بدين الله واللياذ به ، وانّ المسلمين جميعاً ما اُصيبوا به إلاّ لانحرافهم عن دين الله ، وخروجهم عن منهاجه.
ولن يصلح آخر هذه الاُمّة إلاّ بما صلح به أوّلها.