ـ ومنهم من يجعلها مصدرا جاءت على مثال فاعلة.
ويعللون لعدم جواز تقدم الحال على صاحبها المجرور بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبها ، فحقه أن يتعلق بهما بواسطة واحدة ، لكنه يمنع من ذلك أن الفعل لا يتعلق بحرف واحد إلى شيئين ، فجعلوا عوضا عن ذلك التزام تأخير الحال ، ولكنه يبدو أن السبب غرض معنوى ، حيث الالتباس المعنوىّ بين الحال وصاحبها.
لكن كثيرا من النحاة يجيزون تقدم الحال على صاحبها المجرور (١) ، ومنهم الأخفش وأبو على الفارسى وابن جنى وابن كيسان وابن برهان وابن ملكون ، وبعض الكوفيين واختاره ابن مالك.
ومما يستشهدون به على جواز التقديم ما ذكره أبو على من المثل : زيد خير ما يكون خير منك ، التقدير : زيد خير منك خير ما يكون ، فجعل (خير ما يكون) حالا من الكاف فى (منك) ، وقدمها عليه.
ويستشهدون كذلك بقول الشاعر :
تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم |
|
بذكركم حتّى كأنكم عندى |
حيث (طرا) بمعنى (جميعا) حال من ضمير المخاطبين فى (عنكم) ، وهو فى محل جر بحرف الجر (عن) ، وقد تقدمت عليه. والجمهور يجعلون ذلك ضرورة.
ومما يستشهدون به على التقدم قول المخبل السعدى :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا |
|
فمطلبها كهلا عليه شديد (٢) |
__________________
(١) ينظر : عمدة الحافظ ٤٢٤ / شرح الكافية للرضى ١ ـ ٢٠٦ / البحر المحيط ٨ ـ ٥٤٩ / شرح التصريح ١ ـ ٣٧٩ / شرح القمولى ١ ـ ٢٧.
(٢) (إذا) اسم شرط غير جازم مبنى فى محل نصب على الظرف ، مضاف إليه ، العامل فيه الجواب. (المرء) فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وعندى أنه مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، حيث ذكر الاسم بعد أداة شرط غير جازمة. (أعيته) فعل ماض مبنى على الفتحة المقدرة ، والتاء للتأنيث ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (المروءة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية مفسرة ـ للمحذوف ، لا محل لها من الإعراب ، وعلى الرأى الآخر تكون الجملة فى محل رفع ، خبر المبتدإ.
(ناشئا) حال من المرء منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (فمطلبها) الفاء واقعة فى جواب الشرط للربط حرف مبنى لا محل له. (مطلب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالإضافة إليه. (كهلا) حال من ضمير الغائب فى (عليه) منصوبة. (علية) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالشدة. (شديد) خبر المبتدأ مطلب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وجملة الجواب لا محل لها من الإعراب.