(الثاني) : المضادّة ومن أمثلته قوله تعالى في سورة البقرة : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) (الآية : ٦) ، فإنه أول السورة كان حديثا عن القرآن الكريم ، وأن من شأنه كيت وكيت ، وأنّه لا يهدي [القوم] (١) الذين من صفاتهم كيت وكيت. فرجع إلى الحديث عن المؤمنين ، فلما أكمله عقّب بما هو حديث عن الكفار ؛ فبينهما جامع وهميّ بالتضادّ من هذا الوجه ، وحكمته (٢) التشويق والثّبوت على الأول ، كما قيل : «وبضدّها تتبيّن الأشياء» فإن قيل : هذا جامع بعيد ، لأنّ كونه حديثا عن المؤمنين ، بالعرض لا بالذّات ، والمقصود بالذات الذي هو مساق الكلام ، إنما هو الحديث عن الكتاب لأنّه مفتتح القول.
قلنا : لا يشترط في الجامع ذلك ، بل يكفي التعلّق على أيّ وجه كان ، ويكفي في وجه الرّبط ما ذكرنا لأن القصد تأكيد [٨ / أ] أمر القرآن والعمل [به] (٣) والحث على الإيمان به ، ولهذا لما فرغ من ذلك قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) الآية (البقرة : ٢٣) فرجع إلى الأول.
(الثالث) : الاستطراد ؛ كقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف : ٢٦) قال الزمخشري : (٤) «هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد ، [و] (٥) عقب ذكر بدوّ السّوءات وخصف الورق عليها ؛ إظهارا للمنّة فيما خلق الله من اللّباس ، ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعارا بأن الستر باب عظيم من أبواب التّقوى».
وجعل القاضي أبو بكر (٦) في كتاب «إعجاز القرآن» من الاستطراد قوله تعالى : (أَوَلَمْ
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٢) في المخطوطة : (وحكمه).
(٣) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٤) هو محمود بن عمر بن محمد ، أبو القاسم ، تقدّمت ترجمته ص : ١٠٥. وانظر قوله في «الكشاف» ٢ / ٥٩ عند تفسير الآية من سورة الأعراف.
(٥) ساقطة من المطبوعة.
(٦) هو القاضي محمد بن الطيّب ، أبو بكر الباقلاني تقدمت ترجمته ص ١١٧ ، وكتابه «إعجاز القرآن» طبع بهامش «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي ، في مطبعة السلام بالقاهرة سنة ١٣١٥ ه / ١٨٩٧ م ، طبع أيضا بهامش «الإتقان» بالمطبعة الميمنية بالقاهرة سنة ١٣١٧ ه / ١٨٩٩ م ، وطبع بهامشه أيضا في المطبعة الأزهرية بالقاهرة سنة ١٣١٨ ه / ١٩٠٠ م ، وطبع في مطبعة المقتطف بالقاهرة سنة ١٣٤٧ ه / ١٩٢٨ م في (٤٥١) صفحة. وطبع في المطبعة السلفية بالقاهرة بتحقيق محب الدين الخطيب سنة ١٣٤٩ ه / ١٩٣٠ م في (٤٤٤)