في الخروج إلى بدر ، وإن كره القوم ذلك ؛ ونظيره قوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) (البقرة : ١٥١) معناه : كما أنعمنا عليكم بإرسال رسول من أنفسكم فكذلك أتم نعمتي عليكم ؛ فشبّه كراهتهم ما جرى من أمر الأنفال وقسمتها بالكراهة في مخرجه من بيته.
وكلّ ما لا يتمّ الكلام إلاّ به ؛ من صفة (١) وصلة فهو من نفس الكلام.
وأما قوله تعالى : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (الحجر : ٩٠) بعد قوله : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (الحجر : ٨٩) فإن فيه محذوفا ؛ كأنه قال : [قل] (٢) أنا النذير المبين ، عقوبة أو عذابا ، مثل ما أنزلنا على المقتسمين.
وأما قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (القيامة : ١٦) وقد (٣) اكتنفه من جانبيه قوله : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (القيامة : ١٤ ـ ١٥) وقوله : (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ* وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) (القيامة : ٢٠ ـ ٢١) ؛ فهذا من باب قولك للرجل ، وأنت تحدثه بحديث فينتقل عنك ويقبل (٤) على شيء آخر : أقبل عليّ واسمع ما أقول ، وافهم عنّي ، ونحو هذا الكلام ؛ ثم تصل حديثك ؛ فلا يكون [بذلك] (٥) خارجا عن الكلام الأول ؛ قاطعا له ؛ [و] (٥) إنما يكون به مشوقا للكلام. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب ؛ وكان إذا نزل [عليه] (٥) الوحي وسمع القرآن حرّك لسانه ليستذكر به (٦) ، فقيل له : تدبّر ما يوحى إليك ، ولا تتلقه (٧) بلسانك ؛ فإنما نجمعه لك ونحفظه عليك.
ونظيره قوله في سورة المائدة : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) (الآية : ٣) إلى قوله : (الْإِسْلامَ دِيناً) (الآية : ٣) ، فإن الكلام بعد ذلك متصل بقوله أولا : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) (الآية : ٣) ، ووسّط هذه الجملة بين الكلامين ترغيبا في قبول هذه الأحكام ، والعمل بها ، والحث على مخالفة الكفّار وموت كلمتهم وإكمال الدين. ويدلّ على اتصال (فَمَنِ اضْطُرَّ) (الآية : ٣) بقوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) آية الأنعام : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ) (الآية : ١٤٥).
__________________
(١) في المخطوطة : (حذف).
(٢) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٣) في المخطوطة : (فقد).
(٤) في المخطوطة : (فتنتقل عنه وتقبل).
(٥) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٦) العبارة في المطبوعة (حرّك لسانه بذكر الله).
(٧) في المطبوعة : (تتلقّفه).