في سورة البقرة : (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الآية : ١٠١). ثم قال في آخرين : (لَوْ كانُوا) (١) يَعْلَمُونَ (١٠٢ ـ ١٠٣) ، ثلاث فواصل متوالية (يُعَلِّمُونَ يُعَلِّمُونَ) ، فهذا لا يقبح (٢) في القرآن قولا واحدا.
قيل : ويقع فيه التضمين (٣) ، وليس بقبيح ، إنما يقبح في الشعر ، ومنه سورتان (٤) : الفيل وقريش ، فإنّ اللام في (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (قريش : ١) قيل : إنها متعلقة ب (فَجَعَلَهُمْ) (الفيل : ٥) في آخر الفيل.
وحكى حازم (٥) في «منهاج البلغاء» خلافا غريبا فقال : «وللناس في الكلام المنثور من جهة تقطيعه إلى مقادير بتفاوت في الكمّية ، وتتناسب مقاطعها على ضرب منها ، أو بالنّقلة من ضرب واقع في ضربين أو أكثر ، إلى ضرب آخر مزدوج ، في كلّ ضرب ضرب منها أو يزيد على الازدواج ، ومن جهة ما يكون غير مقطع ، إلى مقادير يقصد لمناسبة (٦) أطرافها ، وتقارب ما بينها في كمّية الألفاظ والحروف ثلاثة مذاهب : منهم [من] (٧) يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف ، غير متقاربة في الطول والقصر لما فيه من التكلّف ، إلا ما يقع به الإلمام في النادر من الكلام.
والثاني أنّ التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قوالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا.
والثالث ـ وهو الوسط ـ أن السّجع لما كان زينة للكلام ، فقد يدعو إلى التكلّف ، فرئي ألاّ يستعمل في [جملة] (٨) الكلام ، وأن لا يخلى الكلام بالجملة منه أيضا ، ولكن يقبل من
__________________
(١) العبارة في المخطوطة : (كأنهم لا).
(٢) انظر تعريف التضمين عند السكاكي في «مفتاح العلوم» ص ٥٧٦.
(٣) في المخطوطة : (لا يقبل).
(٤) العبارة في المطبوعة : (سورتا).
(٥) هو أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم النحوي القرطاجني صاحب «القصيدة الميمية» في النحو كان إماما بليغا نزل تونس وامتدح بها المنصور صاحب إفريقية. مات سنة ٦٨٤. (ابن العماد ، شذرات الذهب ٥ / ٣٨٨) وكتابه «منهاج البلغاء وسراج الأدباء» نشره محمد الحبيب ابن الخوجة في دار الكتب الشرقية بتونس سنة ١٣٨٦ ه / ١٩٦٦ م في (٤٦٨) صفحة ، وطبع طبعة ثانية في دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ١٤٠٢ ه / ١٩٨٢ م في (٤٧٠) صفحة مزيدة ومصححة. وليس قوله في القسم المطبوع من الكتاب.
(٦) العبارة في المطبوعة : (بقصد تناسب).
(٧) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٨) ساقطة من المطبوعة ، وانظر الإتقان ٣ / ٢٩٤.