وصف الله [تعالى] ، وإثبات ألوهيته ، وتحقيق صفاته ، فناسب ذكر وصفه سبحانه فتأمل هذه التراكيب ، ما أرقاها في درجة (١) البلاغة!
ونظيره قوله تعالى في سورة الجاثية : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [١٥]. وفي فصلت : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٤٦).
وحكمة (٢) فاصلة الأولى أن قبلها : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الجاثية : ١٤) ، فناسب الختام بفاصلة البعث ؛ لأن قبله وصفهم بإنكاره ، وأما الأخرى فالختام بها مناسب ؛ أي لأنه لا يضيّع عملا صالحا ، ولا يزيد على [من] (٣) عمل شيئا.
ونظيره قوله في سورة النساء : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (الآية : ٤٨). ختم الآية مرة بقوله : (فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (الآية : ٤٨) ، ومرة بقوله : (ضَلالاً بَعِيداً) (الآية : ١١٦) ؛ لأن الأوّل نزل في اليهود ، وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابه ، والثاني نزل في الكفار ، ولم يكن لهم كتاب ، وكان ضلالهم أشدّ.
وقوله في المائدة : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (الآيات : ٤٤ ـ ٤٥ ـ ٤٧).
فذكرها ثلاث مرات ، وختم الأولى بالكافرين ، والثانية بالظالمين ، والثالثة بالفاسقين ؛ فقيل : لأن الأولى نزلت في أحكام المسلمين ، والثانية نزلت في أحكام اليهود ، والثالثة [نزلت] (٤) في أحكام النصارى. وقيل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٥) إنكارا له ، فهو كافر ، ومن لم يحكم بالحق من (٦) اعتقاد الحق وحكم بضدّه فهو ظالم ، ومن لم يحكم بالحق [جهلا] (٧) وحكم بضدّه فهو فاسق. وقيل : الكافر والظالم والفاسق كلّها بمعنى واحد ، وهو الكفر ، عبّر عنه بألفاظ مختلفة ، لزيادة الفائدة واجتناب صورة التكرار. وقيل غير ذلك.
__________________
(١) في المخطوطة : (وجه).
(٢) في المخطوطة : (وكلمة).
(٣) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٤) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٥) في المخطوطة زيادة (أنزل الله).
(٦) في المطبوعة : (مع).
(٧) من المطبوعة.