ثم بنيتها ثلاثة حروف (١) موحدة : ص ، ق ، ن ، وعشرة مثنى : طه ، طس ، يس ، حم. واثنا عشر مثلثة الحروف : الم ، الر ، طسم ، واثنان حروفها أربعة : المص ، المر. واثنان حروفها خمسة : كهيعص حم عسق.
وأكثر هذه السور التي ابتدئت بذكر الحروف ذكر منها : ما هو ثلاثة أحرف ، وما هو أربعة أحرف سورتان ، وما ابتدئ بخمسة أحرف سورتان.
وأما ما بدئ بحرف واحد فاختلفوا فيه ، فمنهم من لم يجعل ذلك حرفا وإنما جعله اسما لشيء خاص. ومنهم من جعله حرفا وقال : أراد أن يتحقق الحروف مفردها ومنظومها.
فأما ما ابتدئ بثلاثة أحرف ففيه سر ، وذلك أنّ الألف إذا بدئ بها أولا كانت همزة ، وهي أول المخارج من أقصى الصدر ، واللام من وسط مخارج الحروف ، وهي أشدّ الحروف اعتمادا على اللسان ، والميم آخر الحروف ومخرجها من الفم. وهذه الثلاثة هي أصل مخارج الحروف ؛ أعني الحلق واللسان والشفتين ، وترتبت في التنزيل من البداية ، إلى الوسط ، إلى النهاية.
فهذه الحروف تعتمد المخارج الثلاثة ، التي يتفرع منها ستة عشر مخرجا ؛ ليصير منها تسعة وعشرون حرفا ؛ عليها مدار كلام الخلق أجمعين ، مع تضمّنها سرّا عجيبا ، وهو أن الألف للبداية ، واللام للتوسط ، والميم للنهاية ؛ فاشتملت هذه الأحرف الثلاثة على البداية ، والنهاية ، والواسطة بينهما.
وكل سورة استفتحت بهذه الأحرف [الثلاثة] (٢) فهي مشتملة على مبدأ الخلق ونهايته وتوسطه ، مشتملة على خلق العالم وغايته ، وعلى التّوسط بين البداية من الشرائع والأوامر. فتأمل ذلك في البقرة ، وآل عمران ، وتنزيل السجدة ، وسورة الروم.
وأيضا فلأن الألف واللام كثرت في الفواتح دون غيرها من الحروف لكثرتها في الكلام.
وأيضا من أسرار علم الحروف أن الهمزة من الرئة فهي أعمق الحروف ، واللام مخرجها من طرف اللسان ملصقة بصدر الغار الأعلى من الفم ؛ فصوتها يملأ ما وراءها من هواء الفم ، والميم مطبقة ؛ لأن مخرجها [من] (٣) الشفتين إذا أطبقتا ، ويرمز [بهنّ] (٣) إلى باقي الحروف ؛
__________________
(١) في المخطوطة منها.
(٢) ساقطة من المطبوعة.
(٣) ساقطة من المخطوطة.