الثاني : أن الله أقسم بهذه الحروف (١) [بأنّ هذا الكتاب الذي يقرؤه محمد صلىاللهعليهوسلم هو الكتاب المنزل لا شك فيه ، وذلك يدل على جلالة قدر هذه الحروف] (١) إذ كانت مادة البيان ، ومباني (٢) كتب الله المنزلة باللغات المختلفة ، وهي أصول كلام الأمم بها يتعارفون ، وقد أقسم الله تعالى ب (الفجر) و (الطور) ؛ فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها.
الثالث : أنها الدائرة من الحروف التسعة والعشرين ؛ فليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه عزوجل ، أو آلائه ، أو بلائه أو مدة أقوام أو آجالهم ، فالألف سنة واللام ثلاثون سنة ، والميم أربعون ؛ روي عن الربيع بن أنس (٣). قال ابن فارس : وهو قول حسن لطيف ؛ لأن الله تعالى أنزل على نبيه الفرقان ، فلم يدع نظما عجيبا ، ولا علما نافعا إلا أودعه إياه ، علم ذلك من علمه ، وجهله من جهله.
الرابع : ويروى عن ابن عباس (٤) أيضا في قوله تعالى : (الم). أنا الله أعلم ، وفي (المص) أنا الله [أعلم و] (٥) أفصل ، [و (الر) أنا الله أرى] (٦) ونحوه من دلالة الحرف الواحد على الاسم التام ، والصفة التامة.
الخامس : أنها أسماء للسور ف (الم) اسم لهذه ، و (حم) اسم لتلك ، وذلك أن الأسماء وضعت للتمييز ، فهكذا هذه الحروف وضعت لتمييز هذه السور من غيرها ـ ونقله الزمخشري (٧) عن الأكثرين وأن سيبويه نصّ عليه في «كتابه» (٨) ، وقال الإمام فخر الدين : «هو قول أكثر المتكلمين» (٩) ـ (فإن قيل) (١٠) : فقد وجدنا (الم) افتتح بها (عدة سور) (١١) ، فأين التمييز؟ قلنا قد يقع الوفاق بين اسمين لشخصين ثم يميّز بعد ذلك بصفة ونعت ، كما يقال : زيد وزيد ، ثم
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (وما في) والتصويب من عبارة «الصاحبي».
(٣) هو الربيع بن أنس البكري الخراساني كان تابعيا. روى عن أنس بن مالك والحسن البصري وغيرهما. وعنه : أبو جعفر الرازي ، والأعمش ، وابن المبارك وغيرهم. قال العجلي : «بصري صدوق». وقال النسائي : «ليس به بأس». مات في خلافة أبي جعفر المنصور سنة ١٣٩. (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٣ / ٢٣٨) ، وانظر قوله في «تفسير الطبري ١ / ٦٨.
(٤) انظر الملحق رقم (٧).
(٥) ساقطة من المطبوعة.
(٦) ساقط من المخطوطة ، وليست في «الصاحبي».
(٧) انظر الكشاف ١ / ١٣.
(٨) سيبويه ، الكتاب (بتحقيق هارون) ٣ / ٢٥٦ ، باب أسماء السور.
(٩) الرازي ، التفسير الكبير ٢ / ٥ ، وقد أورد الزركشي أقوال : الزمخشري وسيبويه ، والفخر الرازي ضمن سياقه لقول ابن فارس لذا لزم التنويه.
(١٠) في المخطوطة : (قال).
(١١) في المخطوطة : (غير سورة).