أن يقرأ كلّ قوم من العرب بلغتهم وما جرت عليه عادتهم ؛ من الإظهار والإدغام والإمالة والتفخيم والإشمام والهمز والتليين والمد ، وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلمة الواحدة ؛ فإن الحرف هو الطرف والوجه ؛ كما قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) (الحج : ١١) أي على وجه واحد ؛ وهو أن يعبده في السرّاء دون الضّراء ؛ وهذه الوجوه هي القراءات [السّبع التي قرأها القراء] (١) السبعة ؛ فإنّها كلّها صحّت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو الذي جمع عليه عثمان [في] (٢) المصحف ، وهذه القراءات السبع اختيارات أولئك القراء ؛ فإن كل واحد اختار فيما روى وعلم وجهه من القراءة ما هو الأحسن عنده والأولى ، ولزم (٣) طريقة منها ورواها وقرأ بها ، واشتهرت عنه ونسبت إليه ؛ فقيل : حرف نافع ، وحرف ابن كثير. ولم يمنع واحد منهم حرف الآخر ولا أنكره ، بل سوّغه وحسّنه ؛ وكلّ واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر ؛ وكلّ صحيح.
وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صحّ عنهم ، وكان الإنزال على الأحرف السبعة توسعة من الله ورحمة على الأمة ؛ إذ لو كلّف كل فريق منهم ترك لغته والعدول عن عادة نشئوا عليها ؛ من الإمالة ، والهمز والتليين ، والمدّ ، وغيره لشقّ عليهم.
ويشهد لذلك ما رواه الترمذيّ عن أبيّ بن كعب أنه لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم جبريل فقال : «يا جبريل ، إنّي بعثت إلى أمّة أميين (٤) ؛ منهم العجوز ، والشيخ الكبير ، والغلام ، والجارية ، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط ؛ فقال : يا محمد ، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف» (٥). وقال : حسن صحيح.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) ساقطة من المطبوعة.
(٣) في المخطوطة «فالتزم».
(٤) في المخطوطة «أميّة».
(٥) أخرجه الترمذي في السنن ٥ / ١٩٤ ، كتاب القراءات (٤٧) ، باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف (١١) الحديث (٢٩٤٤) ، وأخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٣٢ وأخرجه ابن حبّان في صحيحه ٢ / ٦٠ ، كتاب الرقائق ، باب قراءة القرآن الحديث (٧٣٦).