جمع بحضرة الصدّيق ؛ والجمع الثالث وهو ترتيب السّور كان في خلافة عثمان» (١).
وقال الإمام أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبيّ (٢) في كتاب «فهم السنن» : «كتابة القرآن ليست محدثة فإنه صلىاللهعليهوسلم كان يأمر بكتابته ، ولكنه كان مفرّقا في الرقاع والأكتاف والعسب ؛ وإنّما أمر الصّدّيق بنسخها من مكان إلى مكان [مجتمعا] (٣) ، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيها القرآن منتشر ، فجمعها جامع ، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء» (٤).
«فإن قيل : كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال؟ قيل : لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف ، وقد شاهدوا تلاوته من النبي صلىاللهعليهوسلم عشرين سنة ، فكان تزويد ما ليس منه مأمونا ؛ وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه (٥)».
«فإن قيل : كيف لم يفعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك؟ قيل : لأن الله تعالى كان قد أمنه من النسيان بقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى * إِلاَّ ما شاءَ اللهُ) (الأعلى : ٦ و ٧) أن يرفع حكمه بالنسخ ، فحين وقع الخوف من نسيان الخلق حدث ما لم يكن ، فأحدث بضبطه ما لم يحتج إليه قبل ذلك».
«وفي قول زيد بن ثابت : «فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال» ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ وأنّ من قال إنه جمع القرآن أبيّ بن كعب وزيد ليس بمحفوظ. وليس الأمر على ما أوهم ؛ وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممّن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء ، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ، ولا يشكو في أنّه جمع عن ملإ منهم».
«فأما قوله : «وجدت آخر براءة مع خزيمة بن ثابت ، ولم أجدها مع غيره» ؛ يعني
__________________
(١) المستدرك ٢ / ٢٢٨.
(٢) هو الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي ، كان عالما فهما وله مصنفات في أصول الديانات وكتب في الزهد ، ذكر أنه من أصحاب الشافعي توفي سنة ٢٤٣ ه (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٢ / ١٣٤). لم نجد في كتب الحارث كتاب «فهم السنن» ولعله تصحف من «فهم القرآن» إذ سياق النقل عنه في القرآن ، وهو مطبوع بعنوان «رسالتا العقل وفهم القرآن» بتحقيق حسين القوتلي بيروت دار الفكر سنة ١٣٩١ ه / ١٩٧١ م (معجم المنجد ٤ / ١٣٦).
(٣) ساقطة من المطبوعة.
(٤) ذكره السيوطي في الإتقان ١ / ١٦٨.
(٥) تصحّفت في المطبوعة إلى : (صحيحه).