يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء : ٨٨). وقد صور القرآن الكريم دهشة العرب مؤمنين وكافرين بالكتاب الكريم. فأما من فتح قلبه للإيمان فإيمانه وإسلامه إقرار بإعجاز القرآن ، ونبوّة نبيه الكريم ، وأما من أصرّ على كفره وعناده فإنه لم يكن ليتمالك نفسه ، فيظهر إعجابه ودهشته أو حيرته من بلاغة القرآن الكريم ، وأوصافهم للرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه ساحر مرة ، وكاهن مرة أخرى ، وشاعر مرة ثالثة. هذه الأوصاف دليل تحير ، وانقطاع حجة ، ودهشة لم يستطيعوا لها تفسيرا. ومن هنا دعت الآيات الكريمة المسلمين إلى قبول اجارة المشركين حتى يسمعوا كلام الله ، لأن مجرد سماع الآيات الكريمة يؤثر في نفوس سامعيه ، ولو لا أن سماعه حجّة عليه لم يقف أمره على سماعه ، ولا يكون حجة إلا وهو معجزة كما يقول السيوطي في «الاتقان» ٢ / ١١٧.
وحين استقر أمر المسلمين ، وانكبّ الناس على قراءة كتابهم الكريم يتعلمونه ، ويستنبطون منه أحكام دينهم ، انبرى علماؤهم لدراسته وتفسيره فكان في جملة علم التفسير وقفات العلماء عند بعض الآيات أو الألفاظ شارحين ومفسرين إلا أن هذه الوقفات مع ما وجد فيها من تفسيرات أدبية أو فنية كما عرف عن ابن عباس أو تلميذه مجاهد ، لم تكن لتشكل نظرية أو علما بذاته كما عرف فيما بعد باسم «إعجاز القرآن».
وعلى أية حال فالاطلاع على الكتب المؤلفة فيه يفيدنا في معرفة أقدم من ألف في إعجاز القرآن وهو الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر (ت ٢٥٥ ه) في كتابه «نظم القرآن». هذا إذا أردنا من خصّ تأليفه لفكرة إعجاز القرآن دون تفصيل ، وتفريع لعلومه أما إذا فهمنا أن دراسة الاعجاز هي دراسة القرآن الكريم من جميع الوجوه البلاغية على اعتبار أن (الجهة المعجزة في القرآن تعرف بالتفكير في علم البيان) كما يقول المراكشي في شرح المصباح وأن معرفة إعجازه تقتضي دراسة جميع وجوه المعاني والبيان ، وأساليب الفصاحة والبلاغة فيه ليتعرف من خلالها على تفوق القرآن الكريم ـ وقد نزل بلسان العرب وأساليبهم ـ على غيره من كلام العرب ، ويتعرف بالتالي على بعض أسرار اعجازه... إذا أخذنا بهذه الفكرة الواسعة لعلم الاعجاز القرآني وجدنا مؤلفا آخر سبق الجاحظ الى هذا الفن وهو الكسائي ، علي بن حمزة (ت ١٨٩ ه) والذي ألّف كتابا في «الهاءات المكنى بها في القرآن الكريم». ونميل إلى هذا الرأي لاندراج كل دراسة