ومنه قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) (الحجرات : ٧) يتبادر إلى الذهن أن الظرف قبله خبر «أنّ» على التقديم ، وهو فاسد ؛ لأنه ليس المراد الإخبار بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم ، وإنما الغرض أنه لو أطاعكم في كثير من الأمر لعنتم ، وإنما (فِيكُمْ) حال ، [والمعنى] (١) : واعلموا أن رسول الله في حال كونه فيكم لو أطاعكم لكان كذا.
ومنه قوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (فاطر : ٣٦) ، وقوله : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (المرسلات : ٣٦) فإن الجواب وقع فيهما بعد النفي مقرونا بالفاء ، وفي الأولى حذفت النون وفي الثانية أثبتها ، فما الفرق بينهما؟ وجوابه أن حذف النون جوابا للنفي هو على أحد معنيي نصب «ما تأتينا فتحدثنا» أي ما يكون إتيان ولا حديث ، والمعنى الثاني إثبات الإتيان ونفي الحديث ، أي ما تأتينا محدثا ، أي تأتينا غير محدّث وهذا لا يجوز في الآية. وأما إثبات النون فعلى العطف.
وقريب من ذلك قوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) (القمر : ٢٤) ، وقوله : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) (التغابن : ٦) حيث انتصب (بَشَراً) في الأول وارتفع في الثاني ، فيقال : ما الفرق بينهما؟ والجواب أن نصب (بَشَراً) على الاشتغال ، والشاغل للعامل منصوب ، فصحّ لعامله أن يفسّر ناصبا ، وأما في الثانية فالشاغل مرفوع مفسّر رافعا ؛ وهذا كما تقول : أزيد قام؟ فزيد مرفوع على الفاعلية لطلب أداة الفعل [٤٦ / أ] فهذا في الاشتغال والشاغل مرفوع ، وتقول فيما الشاغل فيه منصوب : أزيدا ضربته؟.
وقريب منه إجماع القراء على نصب «قليل» في : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً) (البقرة : ٢٤٩) اختلفوا في : (ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) (النساء : ٦٦) ؛ وإنما كان كذلك لأن (قليلا) الأول استثناء من موجب ، والثاني استثناء من منفي.
فإن قيل : فلم أجمعوا على النصب في (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء : ٤٦) مع أنه استثناء من غير موجب؟ قيل : لأن هذا استثناء مفرّغ ، وهو نعت لمصدر محذوف ، فالتقدير فلا يؤمنون إلاّ إيمانا قليلا.
ومثله (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) في سورة الحديد (الآية : ١٠) ، قرأها ابن عامر برفع
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.