بِالْقِسْطِ) (آل عمران : ١٨) : بم انتصب؟ قال : بالحال ، قلت : لمن الحال؟ قال : لله تعالى ، قلت : فيقال لله حال؟ [قال] (١) : إن الحال في اللفظ لا لمن يلفظ بالحال عنه ؛ ولكنّ الترجمة لا تستوفي حقيقة المعنى في [النفس] (١) إلا بعد أن يصوغ الوهم هذه الأشياء صياغة تسكن إليها النفس ، وينتفع بها القلب ، ثم تكون حقائق الألفاظ في مفادها غير معلومة ولا منقوضة باعتقاد ، وكما أن المعنى على بعد من اللفظ ، كذلك الحقيقة على بعد من الوهم.
السادس : البحث عن الأصلي والزائد ، ومن هذا قوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) (البقرة : ٢٣٧) فإنه قد نتوهم (٢) «الواو» في الأولى ضمير الجمع ، فيشكل ثبوت النون مع «أن» (٣) ، وليس كذلك ؛ بل الواو هنا لام الكلمة ، والنون ضمير جمع المؤنث ، فبني الفعل معها على السكون ؛ فإذا وصل الناصب أو الجازم لا تحذف النون ؛ ومثله : «النساء يرجون» ، بخلاف : «الرجال يرجون» ، فإن الواو فيه ضمير الجمع ، والنون حرف علامة للرفع ؛ وأصله «يرجوون» أعلّت لام الكلمة بما يقتضيه التصريف ، فإذا دخل الجازم حذف النون ؛ وهذا مما اتفق فيه اللفظ واختلف [في] (٤) التقدير.
وكذلك يبحث عما تقتضيه الصناعة في التقدير ، ولا يؤخذ بالظاهر ، ففي نحو قوله تعالى : (لا مَرْحَباً بِهِمْ) (ص : ٥٩) يتبادر إلى الذهن أن (مَرْحَباً) نصب ، اسم لا ، وهو فاسد ؛ لأن شرط عملها في الاسم ألاّ يكون معمولا لغيرها ؛ وإنما نصب بفعل مضمر يجب إضماره ، و (لا) دعاء ، و (بِهِمْ) بيان للمدعو عليهم. وأجاز أبو البقاء (٥) أن ينصب على المفعول به ، أي لا يسمعون (مَرْحَباً) وأجاز في جملة (لا مَرْحَباً) أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالا ، أي هذا فوج مقولا له : (لا مَرْحَباً). وفيه نظر ؛ لأنه قدّر «مقولا» فمقولا هو الحال ، و (لا مَرْحَباً) محكية بالقول في موضع نصب.
__________________
قرأ على ابن مجاهد وابن دريد وابن السراج ، كان نزيها عفيفا جميل الأمر حسن الأخلاق زاهدا لا يأكل إلا من كسب يده. من تصانيفه : «أخبار النحاة» و «الإقناع» وغيرها. ت ٣٦٨ ه (القفطي ، إنباه الرواة ١ / ٣٤٨).
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (يتوهم).
(٣) تصحّفت في المخطوطة إلى : (النون).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) العكبري ، تقدم ذكره في ١ / ١٥٩ ، وانظر قوله في كتابه «إملاء ما منّ به الرحمن» ٢ / ١١٤ (ط. الميمنية).