كتاب «المحتسب» (١) لأبي الفتح ؛ إلا أنه لم يستوف ، وأوسع منه كتاب أبو البقاء العكبري (١).
وقد يستبشع ظاهر الشاذّ بادي الرأي فيدفعه التأويل ، كقراءة : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (٢) (الأنعام : ١٤) ، على بناء الفعل الأول للمفعول دون الثاني ؛ وتأويل الضمير في (وَهُوَ) راجع إلى الوليّ. وكذلك قوله : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) (٣) (الحشر : ٢٤) بفتح الواو والراء ؛ على أنّه اسم مفعول ، وتأويله أنه مفعول لاسم الفاعل ، الذي هو البارئ ، فإنه يعمل عمل الفعل ؛ كأنه قال : الذي برأ المصوّر. وكقراءة : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٤) (فاطر : ٢٨) ، وتأويله أن الخشية هنا بمعنى الإجلال والتعظيم ؛ لا الخوف. وكقراءة : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٥) (آل عمران : ١٥٩) بضم التاء على التكلم لله تعالى ؛ وتأويله على معنى : فإذا أرشدتك إليه وجعلتك تقصده. وجاء قوله : (عَلَى اللهِ) على الالتفات ؛ وإلاّ لقال : «فتوكّل عليّ» ، وقد نسب العزم إليه في قول أم سلمة «ثم عزم الله لي» (٦) ، وذلك على سبيل المجاز ، وقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ) (آل عمران : ١٨).
__________________
(١) تقدم الكلام عنه في أول النوع.
(٢) هذه قراءة الأعمش (ابن خالويه ، مختصر في شواذ القرآن : ٣٤١).
(٣) وهي قراءة اليماني (ابن خالويه ، مختصر في شواذ القرآن : ١٥٤).
(٤) قرأ الجمهور بنصب الجلالة ورفع العلماء ، وروي عن عمر بن عبد العزيز ، وأبي حنيفة ، عكس ذلك ، ولعل ذلك لا يصحّ عنهما ، وقد رأينا كتبا في الشواذ ولم يذكروا هذه القراءة ، وإنما ذكرها الزمخشري ، وذكرها عن أبي حيوة أبو القاسم يوسف بن جبارة في كتابه «الكامل» (أبو حيان ، البحر المحيط ٧ / ٣١٢).
(٥) وهي قراءة أبي نهيك وجعفر بن محمد (ابن خالويه ، مختصر في شواذ القرآن : ٢٣).
(٦) من حديث لأم سلمة أم المؤمنين رضياللهعنها أخرجه مسلم في صحيحه ٢ / ٦٣٣ ، كتاب الجنائز (١١) ، باب ما يقال عند المصيبة (٢) الحديث (٥) ولفظه : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها. فلما توفّي أبو سلمة قلت من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ ثم عزم الله لي فقلتها ، قالت : فتزوّجت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقولها «ثم عزم الله لي» أي خلق لي عزما ، والعزم عقد القلب على إمضاء الأمر.