الوعاة» في التاريخ والتراجم ، و «الدرّ المنثور» في التفسير ، و «الجامع الصغير» في الحديث ؛ إنها كتب تجعله في الكوكبة السامية من أعيان الزمان.
وكان رحمهالله إلى جانب علمه ووفرة محصوله ، عفيفا كريما ، صالحا تقيّا رشيدا ، لا يمدّ يده إلى سلطان ، ولا يقف من حاجة على باب أمير أو وزير ؛ روي أن السّلطان الغوريّ أرسل إليه مرّة عبدا وألف دينار ؛ فردّ الدنانير وأخذ العبد وأعتقه ، وجعله خادما في الحجرة النبوية. وكان الأمراء والوزراء يأتون لزيارته ، ويعرضون عليه أعطياتهم وهباتهم فيردّها.
إن من المستبعد أن يلجأ من حمدت سيرته ، إلى انتحال كتب غيره ليكسب بها شهرة دنيوية رخيصة بين أقرانه ، وإن الباحث المنصف يستطيع أن يتعرف على حقيقة مؤلفات السيوطي إذا ما وقف على عناصر شخصيته العلمية بشكل عام وعلى أهدافه من وضع كتبه ، وعلى نمط التصنيف الذي كان سائدا في عصره ، وعلى تصانيفه نفسها وهي كلها أمور توضح صورة هذه الشخصية العبقرية الفذّة وتوقف القارئ على قيمة مؤلفاته وآثاره.
لقد ترك السيوطي نحوا من (٦٠٠) كتاب في شتى أنواع العلوم والمعارف ، تفاوتت أحجامها ما بين رسالة صغيرة ومجلدات كبيرة وهو عدد كبير جدا ، وتدلّ مؤلفاته على المنهجية الموسوعية في التأليف وإرادة استقصائه علوم السابقين وهو ينظر بهذه النظرة الموسوعية الى ما كتبه السابقون في كل فن فيجده كالدرّ المنثور هنا وهناك ، ويرى ضرورة جمع كل ما يتعلق بفن من الفنون في كتاب واحد جامع لأصوله وقواعده وضوابطه.
إن القارئ يلمح هذه المنهجية الموسوعية الجامعة عند السيوطي في مؤلفاته ، ومن تصريحه في مقدمات كتبه فهو يقول في مقدمة «تحبير التيسير في علوم التفسير» (١) : (إنّ ممّا أهمل المتقدّمون تدوينه حتى تحلّى في آخر الزمان بأحسن زينة ، علم التفسير الذي هو كمصطلح الحديث ، فلم يدوّنه أحد لا في القديم ولا في الحديث ، حتى جاء
__________________
(١) مقدمة الإتقان ١ / ٦.