فريقين من العلماء تجاه السيوطي نفسه وتجاه كتبه ، فبعضهم ـ من منافسيه وحاسديه ـ يغالي بذمّه ويرميه بأنه أغار على محتويات المكتبة المحمودية ونسبها لنفسه ، والبعض الآخر ـ من تلامذته ومحبّيه ـ يقدّره ويصفه بالنبوغ ، ويجلّه عمّا رماه به حاسدوه من الانتحال ، ومهما يكن من أمر ، فإن الكتابين هما خير حكم للفصل في هذا الأمر ، وهما مطبوعان ومتوفران بين أيدي الباحثين ، ويستطيع القارئ أن يحكم بنفسه على قيمة كلّ منهما إذا ما أجرى مقارنة بسيطة بينهما.
يقول حاجي خليفة (١) في الكلام على «البرهان» : (والسيوطي أدرجه في «إتقانه») وهذه تهمة خطيرة سبقه بها غيره من حسّاده ، والواقع أن المنزلة الكريمة التي نالها السيوطي في حياته ، ووفرة فتاويه وأماليه ومصنّفاته أثارت خصومة بينه وبين منافسيه من أقرانه ، وعرّضته لمختلف الطعون ، فرمي بالسّطو على كتب المكتبة المحمودية ، وادعائها لنفسه ؛ بعد أن غيّر فيها وبدّل ، وقدّم وأخّر ؛ وكان على رأس هؤلاء شمس الدين السخاويّ المؤرّخ (ت ٩٠٢ ه) فيما كتب عنه في كتابه «الضوء اللامع» ثم من جرى في شوطه كبرهان الدين بن زين الدين المعروف بابن الكركي ، وأحمد بن الحسن المكّي المعروف بابن العليف ، وأحمد بن محمد القسطلاني ، وقد انتصر السيوطيّ لنفسه في عدّة كتب ؛ منها كتاب «الكاوي على تاريخ السخاوي» ، و «الجواب الزكي عن قمامة ابن الكركي» ، و «القول المجمل في الردّ على المهمل» و «الصارم الهندي في عنق ابن الكركي» ؛ كما انتصر له أمين الدين الأقصرائيّ ، وزين الدين قاسم الحنفي ، وسراج الدين العبادي ، والفخر الديميّ ، وكثير من تلاميذه ومريديه.
وقد جرت هذه الخصومة على غير السنن المستقيم ؛ إلا أن السيوطيّ خرج منها سليما معافي ؛ وحسبه من الفضل تلك المصنّفات العالية الذّرى ، الشامخة البنيان ، والتي لم يتطرّق الشك في نسبتها إليه ؛ «كالمزهر في اللغة» ، و «الاقتراح» و «جمع الجوامع» و «الأشباه والنظائر في النحو وأصوله» ، و «حسن المحاضرة» و «تاريخ الخلفاء» و «بغية
__________________
(١) كشف الظنون ١ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.