صبر علي عليهالسلام
(صابراً محتسباً حتى أتاك اليقين ، ألا لعنة الله على الظالمين) :
يتعرض الإنسان في حياته إلى شتى المحن والآلام ، ويختلف رد الفعل الذي يصدر عنه بحسب الظروف والملابسات ، كما يختلف من فرد إلى آخر ، والذي يحدد تصرف المرء في مثل هذه الظروف : الإيمان ، والعقل ، فمن توفر على قوة الإيمان ، ونضوج العقل قابل المحن بصبر وثبات ، ومن كان ضعيف الإيمان غير ناضح عقلياً قابلها بالجزع ، ويُقسَّم الصبر إلى ثلاثة أقسام : فصبرٌ عن المعصية ، وصبرٌ على الطاعة ، وصبرٌ على المصيبة.
وقد مرَّ بنا أنَّ الإمام علياً عليهالسلام معصوم ، وهو القائل : «والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت» (١) ، وقد قضى عمره الشريف في طاعة الله تعالى ، وطلب مرضاته.
وقد تعرض الإمام علي عليهالسلام لمصائب ومحن شتى ، ولعل أشد كارثة نزلت به هي فقده الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهو الذي ربّاه في حجره ، وتعاهده منذ نعومة أظفاره ، ثمَّ كان منه بمنزلة نفسه ، وكان أخوه ، ووليه ، وهو أبو حليلته ، وهو ولي هذه الأُمة ، ومنقذها من الضلال ، والذي تحمل معه الإمام علي عليهالسلام أعباء الرسالة تبليغاً ، وعملاً ، وجهاداً فكانت المصيبة به عظيمة ، والرزية بفقده جليلة ، ولكنه قابلها بصبر وثبات ، فغسَّله ، وكفنه ، وتولى دفنه ، ووقف عند قبره مؤبناً ومودعاً : «بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة
__________________
(١) نهج البلاغة ٢ / ٢١٨ ، وجلب الشعيرة (بكسر الجيم) : قشرها.