وإذا ذهبنا في نظرتنا إلى أبعد من هذه الحياة الفانية ، فإنَّ الدار الآخرة يرتبط مصير الإنسان فيها بإيمانه بالله عزوجل ، لأنَّ الإيمان به عنوان كل فضل ، وبه تقاس الأعمال ، فيتقرر مصير المؤمن العامل إلى الجنة التي أعدت للمؤمنين المتقين ، ومصير غير المؤمن إلى العذاب ، وإن عمل في حياته صالحاً ، وقد تنفع الأعمال الصالحة غير المؤمن ، فتخفف عنه العذاب إذا عملها حباً بالخير ، ولم تصدر منه لمصلحة شخصية أو هدف غير مشروع.
سبب نزول الآية الكريمة :
والآية الكريمة ليست بصدد المفاضلة بين الطرفين ، لأنَّ المفاضلة تكون بين متجانسين مؤمن وآخر ، يختلفان في العمل ، والإخلاص ، وما يترتب على ذلك من فضل ، فيكون المعيار الأسبقية وتحمل الجهد ، وما شابههما من المرجحات.
فيتعين أن يكون المراد نقض ما ادعي من فضل عمارة البيت والسقاية مقابل الأيمان ، يدل على ذلك قوله تعالى : (لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ)، فالآية الكريمة تقرر فضل الإيمان والجهاد ، وتنقض الفضل المدعى لعمل غير المؤمن ، مهما كان يحمل من فضيلة ، وبأي اعتبار ، ويؤيد ذلك ما جاء من الأحاديث في سبب نزول الآية الكريمة.
نقل المفسرون والمحدثون روايات متعددة في نزول هذه الآية الكريمة في الإمام علي عليهالسلام ، وأنَّه المقصود بقوله تعالى : (كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ) وفي شيبة (١) صاحب البيت الذي كان يتولى حجابته ، وعمارته ، والعباس ابن عبد المطلب الذي كان يتولى سقاية الحاج ، وإليك نماذج من
__________________
(١) في أسباب النزول ١٦٤ (طلحة بن شيبة).