الصفين ليلة الهرير ، فيصلي عليه ورده ، والسهام تقع بين يديه ، وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته) (١) ، وهذا مظهر رائع من مظاهر إخلاصه لله تعالى في العبادة ، فلا يهمه شي ، ولا يرتهب ؛ لأنَّه يؤدي صلاته منقطعاً إلى الله عزوجل متوجها إليه بقلبه وبروحه المليئة بالإيمان.
صبره عند الجهاد :
من لم يتحل بالصبر لا يستطيع أن يقدم على الجهاد ، لأنَّ المجاهد لا بد له من الصمود أمام العدو ، ومنازلة الأقران ، وهذا لا يتم إلّا بالصبر ، ومن جزع عند النزال ، أصابه الوهن والفشل ، وولّى ظهره لعدوه ، وانهار أمامه.
ومواقف الإمام علي عليهالسلام في الحروب تدل على أنَّه كان يتحلى بأعلى درجات الصبر ، والمواقف التي تدل على صبره كثيرة ، ولعل أشهرها مبارزته لعمرو بن عبد ود فارس الأحزاب ، الشجاع الذي لا يُعرف له نظير في شجعان العرب وفرسانهم ، وكان الأبطال يتحامونه ، ويكرهون لقاءه ، فلا يجرؤ أحد على مبارزته ، وكان معتداً بنفسه ، عبر الخندق ، وتحدى المسلمين ، فلم يتطوع أحد لمبارزته سوى الإمام علي عليهالسلام ، فتقدم نحوه بصبر وثبات ورباطة جأش ، ولم يرجع إلّا بعد أن صرعه ، وجاء إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم برأسه ، وخير دليل على صبره عند النزال ما نعته به النبي المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم خيبر ، حيث قال ـ كما في رواية عمر ـ : «لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، يفتح الله عليه» (٢).
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٧.
(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤١ / ١٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٦ باختلاف يسير.