الإستمرار في القتال حتى يتحقق النصر : وهؤلاء هم أهل البصائر من المهاجرين ، والأنصار ، وفي طليعتهم الهاشميين ، ومن تبعهم من الأنصار ، كانوا على معرفة تامة بسلامة موقف الإمام علي عليهالسلام ، وأنَّ القتال معه كالقتال مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويعرفون زيف معاوية ، وعمرو بن العاص ، وخروجهما على الخليفة الشرعي ، وما يتصفان به من مكر وخداع.
وطائفة أخرى خُدِعت برفع المصاحف : وهؤلاء لم يكونوا على بصيرة ؛ فعرض لهم الشك ، وزهدوا فيما جهلوا من الحق ، فاتبعوا الظن ، ولم ينفع معهم النصح ، فتركوا القتال ، وأخذوا ينادون : المحاكمة إلى الكتاب ، لا يحل لنا الحرب ، وقد دعينا إلى حكم الكتاب (١).
بين علي عليهالسلام وهارون عليهالسلام :
عندما خرج موسى عليهالسلام إلى المناجاة ، استخلف أخاه هارون عليهالسلام على أمته ، وطال غيابه ، فتأخر عن موعد العودة ، فصنع السامري عجلاً من الحلي ، له خوار كصوت العجل ، ودعاهم لعبادته مستغلاً تأخر موسى عليهالسلام عن موعد العودة ، فأضَلَّ بالعجل أمة موسى عليهالسلام ، فاتبعوا السامري ، وتفرقوا عن هارون عليهالسلام ولم يلتفتوا لنصحه حيث قال لهم : (يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي)(٢) ، ولكنهم لم يتركوا عبادة العجل ، إذ عميت بصائرهم من الجهل ، وأصرّوا على الإستمرار بعبادته حتى يرجع إليهم موسى عليهالسلام ، فكانت المحنة بهم ، وبعبادتهم عظيمة على هارون عليهالسلام ، وهو يراهم يتركون عبادة الله تعالى ،
__________________
(١) وقعة صفين ٤٧٩.
(٢) طه ٢٠ : ٩٠.