الثبات أمامه ، ومبارزته الموت.
لا شك أنَّ هذا الإقدام ، والاستعداد للتضحية في جهاده الذي لم يعرف له التاريخ نظيراً ، يستنتج منه أنَّ الإمام علياً عليهالسلام كان نافذ البصيرة ، فهو لا يرى للحياة قيمة إلّا بمقدار ما يحقق من النصر للدين الحنيف ، وكان هذا هو الهدف من استعداده للتضحية والفداء وإقدامه في الحروب ، وهو يدل على حقيقة ثابتة ، هي أنَّ جهاده كان في الله عزوجل ، ولا يهدف إلّا لرضاه ، ونصرة دينه الحنيف ، ولم يقتصر جهاده على ما شارك فيه من حروب ، بل تعداه ليشمل شتى الميادين ، وبشتى الوسائل ، همّه الأكبر في ذلك القضاء على الباطل ، وإماتة دعوته ، لا تأخذه في ذلك لومة لائم ، ولا يلتفت إلى أي اعتبار يخالف الموازين الشرعية.
جوار الله تعالى :
ولا شك أنَّ المؤمن ينتقل بعد الموت إلى جوار الله عزوجل ، فيكون في أمانه وعهده ، وتحت رحمته ، وهو مدعو إلى هذا الجوار بما قدَّمه من الطاعات ، وأعمال الخير ، واجتناب المعاصي ، وتحريه رضا الله تعالى في كل تصرفاته.
ولا تقبض أرواح العباد إلّا بأمر الله عزوجل واختياره : (اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)(١) ، أما الأسباب المباشرة التي تؤدي إلى الموت كالأمراض الخطيرة ، والغرق ، والحرق ، والطعن ، والتسمم ، وما شاكلها فإنَّها لا تسبب الموت ما لم يأذن الله تعالى ، وكثيراً ما ينجو من الموت الذين يتعرضون لمثل هذه الأمور ، ويموت آخرون بمثل هذه الأسباب ، أو لأقل منها خطورة : (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا
__________________
(١) الزمر ٣٩ : ٤٢.