علي عليهالسلام يدعوهم إلى الوحدة :
لقد أعذر الإمام علي عليهالسلام إلى معاوية وأهل الشام بما أرسله من كتب تدعوهم إلى الدخول في ما دخل فيه عامة المسلمين من بيعته ، وحذرهم فيها من الفتنة ، وإراقة الدماء ، ورغّبهم بالحفاظ على وحدة الأمة ، بإعلان الطاعة للخليفة الشرعي ، وقد تظمنت كتبه أقوى ما يمكن إيراده من الحجج ، وبيّن بالأدلة القاطعة زيف معاوية ، وبطلان دعواه ، وكشف نواياه الشريرة ، ولكن معاوية ومن تبعه من أهل الشام بغوا عليه ، ولم يدينوا بدين الحق ، حيث ثقل نداء الحق على أسماعهم ، وأصمتها الأطماع ، فلم يعوا ما قيل لهم من صريح الحق ، واستجابوا لدعوة الباطل عندما استخفتهم أطماعه ، فهرعوا لينالوا من حطام الدنيا على حساب دينهم ، وسار إليهم الإمام علي عليهالسلام وهو يحمل راية الحق الذي ينطق به لسانه ، وعنه يدافع بسيفه ، ليحسم الأمر ، فمن استجاب للحق مسلم ، ومن أودى به الباطل فإلى النار. ن
لقد دعا القرآن الكريم إلى الوحدة ، ونهى عن الفرقة ، كما نهى عن اتباع الهوى ، ونهى عن اتباع أئمة الجور ، ودعا إلى الإلتزام بالعهود والمواثيق ، ونهى عن نقضها ، ومن خالف ما أمر به الذكر الحكيم ، أو نهى عنه ، فهو مسؤول أمام الله تعالى.
ويتفق علماء المسلمين ـ على اختلاف مذاهبهم ـ على صحة إمامة الإمام علي عليهالسلام ، ولزوم بيعته لجميع المسلمين بدون استثناء ؛ لأنَّ أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار قد بايعوه ، وتبعهم على ذلك المسلمون من كافة أرجاء البلاد الإسلامية عدا أهل الشام ، يقول عليهالسلام : «إنَّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل ، وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن ، أو بدعة ، ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى ، قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولّاه الله ما تولّى» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة ٣ / ٧٠.