الزهد ونظرة الإسلام إليه :
تحدثنا عن كون الإمام علي عليهالسلام : أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، وأول العابدين ، في فصل مستقل لكل منها ، وجاء الدور للحديث عن زهده :
لقد اتخذ المتصوّفة من الزهد جانباً سلبياً ، حيث جعلوا من مبادئهم الإعراض عن الدنيا إعراضاً تاماً ، يتركون فيه العمل ، ويتفرغون للعبادة ، ويقيمون طقوسهم الدينية على هذا الأساس ، ولهذه الظاهرة سلوك مشابه لدى الرهبان من النصارى ، وهو سلوك بعيد عن الآفاق التي جاء بها الإسلام ، وعن مبادئه القيِّمة التي تضمن للإنسان الصلاح في النشأتين معاً ، فمبادئ الإسلام تقرر مبدأ : «اعمل لدنياك كأنَّك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنَّك تموت غداً» ، وترى أنَّ «من لا معاش له ، لا معاد له» وأهم ، وأوضح من هذا القول وذاك قوله عزوجل : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)(١).
فالتفرغ للعبادة فقط ، والإعراض عن الدنيا إعراضاً تاماً ، وترك ما أحله الله من زينتها ، ومباهجها ، على الطرق التي تعتمدها المتصوفة من المبتدعات التي لا يقرها الإسلام ، فهذا السلوك يوقف عجلة التقدم إذا ساد في مجتمع ما ، ويحرم المجتمع من طاقات وإمكانات مجموعة من أبنائه ، وتبقى هذه المجموعة عالة على المجتمع تثقل كاهله ، بدل أن تستخدم طاقاتها لتنمية المجتمع وتطوره ، وهذا لا يتلاءم مع أهداف الإسلام ، ونظرته في تطوير المجتمع ، وتوفير الخير والسعادة لأبنائه.
ولا يحبّذ الإسلام ـ في الوقت ذاته ـ أن يتجه أبناء المجتمع اتجاهاً مادياً صرفاً ، بحيث يسيطر الجشع على مشاعر أبنائه سيطرة تنسيهم ما جاء به دينهم
__________________
(١) القصص ٢٨ : ٧٧.