الحنيف من مثل وآداب ، وتوجههم نحو المادة فتكون الدنيا أكبر همهم ، وهدفهم الأسمى الذي لا يشعرون بغيره ، لأنَّ هذا الإتجاه يمسخ أبناء المجتمع ، فيسلب عنهم الشعور بالمسؤولية ، ويفسح المجال لانتشار الجرائم ، وإشاعة الفاحشة ، وهذا ما نراه اليوم في المجتمعات المادية ، حيث تنحسر المثل ، وتطغى الأنانية في ظل حب المادة ، والاعتزاز بها ، لتصبح الهدف الأسمى الذي يسوِّغ أبشع الجرائم من أجل نيلها ، فتقتل الملايين ، وتستعبد الشعوب ، وينهب الضعفاء ، وما إلى ذلك من المآسي والآلام التي تلم بشرائح كبيرة من المجتمع البشري.
أمّا الإسلام ، فيختار الطريق الوسط المعتدل لمعتنقيه ، فهو يفسح المجال للإنسان لأن يكتسب ، ويعمل ، ويستثمر في الحدود التي تؤدي إلى تحقيق الرفاه والسعادة للفرد وللمجتمع ، بتظافر جهود أفراده ، وتعاونهم دون المساس بحقوق الآخرين ، وفي الوقت ذاته لا يغفل الآخرة ، فعلى المؤمن أن يستغل فرصة وجوده في الدنيا بالتوجه إلى الله عزوجل ، والإستزادة من العبادة ، والطاعة ، وتجنب المعاصي ، وأن يثابر في ذلك ، ليضمن النجاة والفلاح في الآخرة ، ولا ننسى ما ذكرناه سابقا من أن كل عمل يقوم به الإنسان خدمة لمجتمعه هو عبادة إن أراد به وجه الله عزوجل ، فأعمال التجارة ، والزراعة ، والصناعة ، وبناء المؤسسات الخيرية ، كلها عبادة لأنَّها توفّر للفرد وللمجتمع على حد سواء الرفاه والخير.
فالزهد في الإسلام : هو الإلتزام بحدود الشريعة الإسلامية ، وعدم التكلّف لملذات الحياة ، وعدم الإنهماك في أمورها المادية ، والعمل والسعي باعتدال للترفيه عن النفس ، وعن أبناء المجتمع ، مع الإهتمام بالآخرة ، والسعي لنيل السعادة فيها ، ويتضح لنا هذا المعنى من المحاورة الآتية التي جرب بين الإمام علي عليهالسلام وأحد أصحابه :