الظلال ، فإذا لم يُجد ذلك نفعاً ، وأصر الخصم على غيِّه ، وتعصب للباطل ، ولم يُصغ لنداء الحق ، انتقل إلى مناجزته ، نصح أشد أعداء الإسلام تعصباً ، وأكثرهم حقداً ، من أمثال عمرو بن عبد ود ، ومرحب الخيبري ، وأضرابهم ، وعندما رفضوا دعوته إياهم إلى الحق ، ناجزهم ، فأرداهم صرعى ، وصنع مثل ذلك مع البغاة : في الجمل ، وصفين ، والنهروان ، فأمرهم بالمعروف ، ودعاهم للعودة إلى نهج الحق ، ونهاهم عمّا هم فيه من المنكر ، فأقام الحجة عليهم ، وأوضح لهم الحقائق بالأدلة الناصعة ، وبذل لهم النصح ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فلم يُجد كل ذلك نفعاً ، فاضطر لقتالهم ، ليحق الحق ، ويبطل الباطل.
ولم يبتغ الإمام علي عليهالسلام في كل ذلك أن يبلغ مآرب دنيوية ، من جاه ، أو مال ، أو سلطة ، وهو الذي كان يخاطب الدنيا : (غري غيري) ، ولم يكن هذا الخطاب مجرد لفظ يجري على اللسان ، بل كانت سيرته العملية تجسد ذلك القول ، وكأنَّه بعمله يقول للدنيا : (غري غيري) ، دون أن يحتاج إلى القول ، إذ لم يكنز من حطامها شيئاً ، ولم يبنِ عمارة ، ولم يكسب من أموالها على حساب الغير ، ولم يغتر بملذاتها ، بل ضحى بكل ما يملك ، وبذل الجهد إلى أقصى الحدود ، ونصح للأمة آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، وعبد الله تعالى ، واتقاه حق تقاته ، همّه الوحيد في ذلك نيل رضاه ، وأداء شكره على ما أنعم ، بإخلاصٍ ينمّ عن نية صادقة ، وإيمان عميق.
ثباته وإقدامه :
اتصف الإمام علي عليهالسلام بالصبر ، ورباطة الجأش ، والشجاعة ، والإقدام ، وقد اقترنت صفاته هذه بالإيمان والعقيدة الراسخة ، التي كانت تدفعه إلى الاستعداد