لقد كان الإمام عليهالسلام في ظل تلك الظروف يخشى أن تنجم الفتنة فتعصف بالناس ، وتعيد كثيراً من الناس إلى جاهليتهم ، حيث كانت الظروف مواتية للردة ، وحيث كان أكثر الناس يؤيدون الوضع القائم لسبب أو لآخر ، ولم يبق مع الإمام عليهالسلام إلّا عدد قليل لا يقوى على التغيير.
احتجاجات حول الخلافة :
لجأ الإمام علي عليهالسلام إلى خيار المهادنة ، والدعوة إلى نفسه بالتي هي أحسن ، وإقامة الحجة على أحقيته ، وكان امتناعه عن البيعة ومن تابعه على ذلك ، ومساندة البضعة الطاهرة ، وعمه العباس عليهماالسلام له ، يشكل أقوى احتجاج على الوضع القائم ، له أثره الكبير ، ومعناه العميق ، وكان هو ومن معه يطعنون بالخلافة ، ويقارعون خصومهم بالحجة والبرهان كلما كانت الفرصة مواتية لذلك.
لقد احتج العباس بن عبد المطلب عليهالسلام على أبي بكر ، لابن أخيه ، قال : (فإن كنت برسول الله طلبت ـ الخلافة ـ فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين طلبت ، فنحن منهم ، متقدمون فيهم ، وإن كان هذا الأمر إنَّما يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا كارهين) (١).
وقيل لعلي : بايع أبا بكر. فقال : «أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً!. ألستم زعمتم للأنصار أنَّكم أولى بهذا الأمر ، لما كان محمد منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلموا إليكم الإمارة؟!. وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حيّاً وميتاً ،
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ / ٢١.