العدو ، وأنَّهم لا يأمنون تركها ، وهو ادعاء كاذب ، لأنَّ المدينة كانت محصَّنة ، ولا منفذ لها إلّا من جانب الخندق ، وقد عجز جيش الأحزاب عن اجتيازه.
الإيمان والتحدي :
هذه الهزة العنيفة التي تعرض لها المسلمون كان لها عند المؤمنين رد فعل مخالف لرد فعل المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، كما وصف الذكر الحكيم حال كل من الفريقين ، وما انطوت عليه سريرتهما ، فالمؤمن عندما تحل به كارثة. يسلم أمره إلى الله عزوجل ، ثمَّ يعمل بجدٍ وثبات وروية ما يراه مناسباً للخروج من المأزق الذي أحاط به ، مستعيناً بالله تعالى ، ومتوكلاً عليه ، ومستمدا منه العون والسداد.
وإذا كان المنافقون والذين في قلوبهم مرض قد أدت بهم هذه الأزمة إلى الإنزلاق في هووة سحيقة ، فإنَّ أثرها في المؤمنين لم يكن سوى الثبات على العقيدة ، بل استفادوا منها درساً بليغاً تمثل في تصديق الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما أنبأ به عن الله تعالى حول هذا الموقف الحرج ، فلم يزدهم ذلك المأزق إلّا إيماناً وتسليماً ، فانبلج لهم الحق ، ولم يجد الشك طريقا إلى نفوسهم ، بل ازدادوا وثوقاً بما هم فيه من الإيمان ، وازدادوا يقينا.
أما المشركون فقد أقاموا إلى جانب الخندق ما ينوف على العشرين يوماً لم يكن فيها بينهم وبين المسلمين سوى المراماة بالنبل والحجارة ، فتقدم من فرسانهم : عمرو بن عبد ود ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطاب بن مرداس ، وأقبلوا نحو الخندق ، فوجدوا فيه مكاناً ضيقاً ، فأقحموا خيلهم فيه بالضرب ، وعبروا منه ، وأخذوا يجولون بخيلهم بينه وبين المسلمين ، وكان عمرو بن عبد ود فارساً شجاعاً ، أصابته جراحات كثيرة في بدر ، منعته من