رفع المصاحف في صفين
«ثمَّ محنتك يوم صفين ، وقد رُفعت المصاحف حيلة ومكراً ، فأعرض الشك ، وعزف الحق ، واتبع الظن ، أشبهت محنة هارون ، إذ أمَّره موسى على قومه ، فتفرقوا عنه ، وهارون ينادي بهم ، ويقول : * (يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ)(١) * وكذلك أنت لما رفعت المصاحف ، قلت : يا قوم إنَّما فتنتم بها ، وخُدِعْتُم. فعصوك ، وخالفوا عليك ، واستدعوا نصب الحكمين ، فأبيت عليهم ، وتبرَّأت إلى الله من فِعلهم ، وفوَّضته إليهم» :
اللغة : أعرض : ظهر. عُزفَ : زُهدَ فيه ، وانصُرف عنه (٢).
إستمر القتال في صفين مدة طويلة بين جيش الإمام علي عليه السالم ، وبين جيش معاوية ، وقد قاتل الجانبان قتالاً شديداً ، لا هوادة فيه ، وكان القتال على أشده ليلة الهرير ، فقد بدأ من الظهيرة ، واستمر طيلة تلك الليلة حتى الصباح دون انقطاع ، وكان لمالك الأشتر رضوان الله عليه موقف مشهود ، وأثرٌ كبير في تقدم جيش الإمام علي عليهالسلام ، حتى صار يقاتل في معسكر أهل الشام. وفي هذه الليلة خطب الإمام علي عليهالسلام الناس يحضرهم على القتال ، فقال : «أيها الناس .. قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم ، ولم يبق منهم إلّا آخر نفس ، وإنَّ الأمور إذا أقبلت إعتبر
__________________
(١) طه ٢٠ : ٩٠ ـ ٩١.
(٢) لسان العرب.