إلّا مثل هذا. يعنونني» (١).
لم يتوقّفوا عند هذا الحد في تعنّتهم وتعصّبهم لما هم فيه من الضلال ، بل دفعهم جهلهم وتعصبهم الأعمى إلى أكثر من ذلك فيما حكاه عنهم الذكر الحكيم في قوله تعالى : (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَإِذْ قَالُوا اللَّـهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(٢).
جوٌّ مشحون بالضلال ، وقوم جهلة متعصبون لضلالهم ، أعطوا الشيطان قيادهم ، فأعرضوا عمّا جاءهم من الحق ، ولم يصغوا إلى دليل عقلي ، ولم تنفع معهم معجزة ، بل أطاعوا الشيطان ، واتجهوا يطلبون من الله تعالى إنزال العذاب عليهم ، حيث كان الأجدر بهم أن يبتهلوا إليه بطلب الهداية إلى طريق الصواب ، في هذا الجو.
وبين هؤلاء الضالين بزغ نور الإسلام ، فكان البشير محمد المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان معه وصيّه المرتضى عليهالسلام يشد أزره ، ويعلن انتماءه للدين الجديد ، ويؤيده بكل تحد وإصرار ، فكان المجاهد الأول الذي يبذل نفسه لله تعالى.
عزّته وأنسه بالله تعالى :
المؤمن يعتزّ بالله عزوجل ، ويستأنس بطاعته ، ولا يستوحش إلّا من المعاصي والآثام التي تسخطه ، أمّ الناس فليس من الضرورة أن يجتمعوا على الحق ، بل ربما استوتهم زخارف الدنيا ، فتبعدهم عنه لينصروا الباطل ، ومن اعتز بالله تعالى لا يشرك في عزه غيره ، ولا يهم المؤمن ما دام ثابتاً مع الحق ، مطيعاً لله تعالى أن يتفرق عنه الناس ، لأنَّه لا يعتز بالمبطلين ، ولا يطلب النصر بالجور ، ومن اعتز
__________________
(١) نهج البلاغة ٢ / ١٥٨.
(٢) الأنفال ٨ : ٣١ ـ ٣٢.