وأن المشركين سينتقمون من أهل الإيمان.
كان الموقف في غاية الصعوبة والتعقيد ، فالخطر محدق بالمسلمين من الخارج ومن الداخل ، حيث أراد المشركون واليهود الإجهاز على الإسلام ، وحيث كان وجود المنافقين بين صفوف الجيش يثير له المشاكل ، بيما يبثه هؤلاء من دعايات مغرضة ، تفت في عضد المجاهدين ، فكانت هزَّة عنيفة تعرَّض لها المسلمون ، أدَّت بهم إلى اضطراب شديد ، فيما كانت اختباراً لهم بالبلاء.
كشف المنافقون عن دخائل نفوسهم ، وما يبطنون من الكفر ، ومعهم الذين في قلوبهم مرض ، من ضعاف النفوس الذين لم يجد الإيمان مجالاً في أعماقهم ، وذلك عندما مروا بهذه التجربة الصعبة والهزة العنيفة ، فكذبوا ما وعدهم به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عند حفر الخندق من فتح اليمن ، والإستيلاء على مدائن كسرى ، وعرش قيصر ، وقالوا : ليس ذلك إلّا خداع ، وتغرير للوقوف أمام عدو لا يستطيعون مقابلته بالعدة ولا بالعدد ، وقال معتب بن قشير العوفي ـ وهو من رؤوسهم ـ : (كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط).
لم يقف المنافقون عند هذا الحد ، بل راحوا يبثون الأراجيف ، وينشرون الخوف والهلع في صفوف المسلمين ، يحثونهم على الفرار من جبهة القتال ، ويؤكدون لهم عدم جدوى البقاء ، والإقامة عند الخندق ، لأنَّ الأمر محسوم ، والنصر والغلبة للكثرة.
ولم يكتف المنافقون والذين في قلوبهم مرض بالأراجيف ، بل عمدوا إلى أسلوب آخر أشد خطراً ، فقد عملوا على إضعاف الجيش بتقليل عدده ، فكانوا يستأذنون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في العودة إلى بيوتهم لحراستها ، مدعين أنَّها مكشوفة أمام