وكأنَّ الإمام علياً عليهالسلام ـ وهو يتحدث عن النهي عن المنكر في هذين النصين ـ يوضح مراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديثه المشهور : «من رأى منكم منكراً ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان» (١).
والمؤمن يحب أن يرى جميع الناس مطيعين لله تعالى ، مبتعدين عن معصيته ، بغض النظر عن وجود التكليف الشرعي ، أو عدمه ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف بتالي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي تحمل معه أعباء الدعوة ، وعرَّض نفسه للمخاطر من أجلها؟.
لقد كان الهم الأكبر للوصي المرتضى عليهالسلام أن يتجه الناس كل الناس إلى الله عزوجل بالطاعة ، وأن يبتعدوا عن المعصية ، لذا نرى الكتب حافلة بخطبه وكلماته التي تضمنت الحث على طاعة الله عزوجل ، والنهي عن معصيته موجهاً المؤمنين إلى طريق الكمال بأروع أسلوب وأبلغه ، يقول في بعض وصاياه : «احذر أن يراك الله عند معصيته ، ويفقدك عند طاعته ، فتكون من الخاسرين ، وإذا قويت ، فاقوَ على طاعة الله ، وإذا ضعفت ، فاضعف عن معصية الله» (٢).
ومن تصفح نهج البلاغة يجده زاخراً بما تحدث به الإمام علي عليهالسلام في هذا المجال ، كما نقل التأرخ من سيرته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ملاحم ومواقف بطولية ليس لها نظير في تاريخ الإسلام جسد فيها أروع الصور في إنكار المنكر ، بل وإقباره ، لتسود دعوة الحق في الأرض ، وينتشر فيها المعروف.
والإمام علي عليهالسلام يتدرج مع خصومه ، فيبذل لهم النصيحة محاولاً دفع المنكر ، ونشر المعروف بالتي هي أحسن ، ليهدي خصمه إلى الحق والخير ، وينقذه من
__________________
(١) تفسير الثعالبي ٢ / ٨٩ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٠٢.
(٢) نهج البلاغة ٤ / ٩٢.