عبد الإمام علي عليهالسلام ربَّه بهذا اليقين ، وبهذه البصيرة ، فأخلص له العبادة ، وأكثر منها ، متزوداً للقاء الله عزوجل شاكراً له على نعمائه ، مقتدياً بالرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك ، فقد روت عائشة ، قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه ، قالت عائشة : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!. فقال : يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً (١).
وإذا كانت كل نعمة من نعم الله تعالى تستوجب الشكر ، فإنَّ نعمه لا تحصى ، ولا يبلغ الشكر أداء حقها مهما أكثر العبد منه ، والشكر ذاته نعمة من نعم الله تعالى على عبده إذا وُفق له ، وهو بذاته يستحق الشكر.
لقد كان الإمام علي عليهالسلام يداوم على العبادة ليله ونهاره ، لا يشغله عنها شي ، يوصل عبادة الليل بالتهجد والمناجاة في الفجر ، ثمَّ يؤدي الفرض ، ويعقبه بالذكر حتى طلوع الشمس ، سئلت سريته أم سعيد عن صلاته في رمضان ، فقالت : ما كانت صلاته في رمضان وشوال إلّا واحدة ، يحيى الليل كله (٢).
ولم يترك إحياء الليل بحال : في سفره ، وحضره ، وفي السلم ، والحرب ، ففي ليلة الهرير في صفين تلك الليلة الرهيبة ، التي خارت فيها العزائم ، وذهل فيها الأبطال لشدة القتال ، وضجّ فيها الناس لكثرة من قتل منهم ، لم يترك ال إمام علي عليهالسلام نافلة الليل ، فقد افترش نطعاً ، ووقف يصلي بين الصفين غير مكترث بضجيج الحرب ، والرؤوس تتطاير ، وجثث القتلى تخضب بالدماء أديم الأرض من حوله ، يقول ابن أبي الحديد : (ومنه تعلم الناس صلاة الليل ، وملازمة الأوراد ، وقيام النافلة ، وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين
__________________
(١) مسند أحمد ٦ / ١١٥.
(٢) كفاية الطالب ٣٩٩.