وقد نلاحظ على هذا الردّ والاستنتاج ، بأنّ لقائل أن يقول : إن حقيقة الإنسان التي يعبر عنها بقوله «أنا» هي هذا الوجود الحيّ المتحرك الذي يمثله الجسد الذي تدب فيه الحياة ، ويتحرك فيه العقل والإرادة ، لا النفس المجرّدة ، لأنّ الملحوظ في الشعور الإنساني في شعور الشخص بذاته ، أنه يختزن إحساسه بالجسد كمظهر حيّ للذات ، ولذا يقال : هذا أنا بلحمي ودمي ، أو هذا فلان بعينه. بل ربما نستطيع التأكيد على أن القصد إلى الروح ليس واردا في التصور ، بل هي شيء خفيّ من حالات البدن من خلال الإحساس بالحياة فيه.
أمّا الردّ على مسألة نفي إعادة المعدوم ، فيمكن التأكيد فيه على بقاء الجسد بذراته المادية الترابية ، وعلى انطلاق الحياة من موقع قدرة الله في ما تعبر عنه الآية (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩] ، مما يوحي بأن الحياة هبة من الله تنطلق من الإرادة ، وليست شيئا عضويا يتلاشى ويموت وينعدم.
* * *
المجرمون يطلبون العودة ليعملوا صالحا
(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في موقف الخزي والعار الذي يقفونه أمام الله من دون أن يملكوا حجّة على ما اعتقدوه وما علموه ، وما أنكروه من قضايا العقيدة والعمل ، في ما هو بحجم الجريمة ، لا سيّما في مسألة إنكار البعث الذي أقام الله عليهم الحجة فيه في وحيه لرسله.
(رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) ولم يبق عندنا شكّ في هذه الحقيقة الإيمانية المتجسدة في اليوم الآخر الذي نشاهده عيانا ونفتح أسماعنا لنداء الله فيه.