فليست هناك مشكلة في الإيمان ، ولكن المشكلة هي كيف نغيّر ميزان العمل ، ليكون راجحا في الطاعة لا في المعصية ، فهل يمكننا أن نقدم طلب استرحام لله في إرجاعنا إلى الدنيا ، بعد هذه الصحوة الإيمانية التي فرضت نفسها على أسماعنا وأبصارنا ، لنبدأ العمل في هذا الخط في ساحات العمل الصالح؟ (فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) بك وبرسلك وبيوم الحساب ، (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) كما أعطيناها سمعها وبصرها وعقلها وشعورها ، ليكون الهدى حالة تكوينية في الذات ، لا حالة إرادية في الخط والحركة ، ليكون الناس بأجمعهم مؤمنين صالحين.
وقد فسّرها صاحب الميزان بتفسير آخر : قال : أي لو شئنا أن نعطي كل نفس أعم من المؤمنة والكافرة الهدى الذي يختص بها ويناسبها ، لأعطيناه لها بأن نشاء من طريق اختيار الكافر وإرادته أن يتلبس بالهدى ، فيتلبس بها من طريق الاختيار والإرادة كما شئنا في المؤمن كذلك ، فتلبس بالهدى باختيار منه وإرادة من دون أن ينجر إلى الإلجاء والاضطرار فيبطل التكليف ويلغو الجزاء (١).
ولكن الظاهر أن الحديث يتجه إلى مسألة التكوين القهري ، لا التكوين الاختياري ، على نهج قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) [هود : ١١٨] ، كما أننا لا نفهم كيف ننفي مشيئة الله للكافر أن يختار الهدى ، بعيدا عن الجبر والقهر ، مع أن الخط التكليفي يفرض ذلك في توجيه الإنسان إلى اختيار الهدى من موقعه الاختياري ، ولعلّ ما ذكرناه هو الأنسب بالفقرة التالية : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) فإن الظاهر أن تحقيق هذا القول يتناسب مع إبقاء عنصر الحرية والاختيار في حركة الإنسان ، لأنه هو الذي يجعل التنوّع في الاختيار عند ما يختار الكافر الكفر ، من موقع
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٦ ، ص : ٢٥٨.