بالإبقاء عليهم ، للمصلحة التي يعلمها في ذلك ، فقد كان لا يريد أن يبدأ معركة الإسلام معهم بمذبحه كبيرة ، قد تثير اليهود الآخرين الذين كانوا لا يزالون على العهد محافظين على السلام ، بالرغم من أن هؤلاء قد قاموا بمحاولة اغتيال النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولهذا اكتفى بالحكم بالجلاء عن ديارهم في البداية ، ليكون ذلك بمثابة الدرس لكل الذين يحاولون القيام بنقض العهد مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو لا ذلك (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل والاستئصال ، كما فعل ذلك مع بني قريظة عند ما نقضوا العهد ، لأن المصلحة كانت تفرض ذلك على أساس الخيانة الكبيرة في التحالف مع المشركين للهجوم على المدينة ، للقضاء على الإسلام والمسلمين في واقعة الأحزاب.
(وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) لتمردهم على الله ورسوله وخيانتهم للعهد. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي خالفوا أوامرهما ونواهيهما وعهدهم معهما ، (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لأن هذا الموقف المضاد يعبر عن حالة خبيثة تنم عن الشعور العدواني ضد العظمة الإلهية ، مما يعرّض السائرين في هذا الاتجاه للعقاب الشديد.
(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) وهي النخلة (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها) في ما كان المسلمون يمارسونه من قطع النخيل في مواقع بني النضير لبعض الضرورات الحربية ، على أساس إيجاد حالة نفسية صعبة لديهم ، أو إزالة بعض الحواجز التي كانت تتمثل في النخيل الذي يمنع من حرية الحركة ، وذلك بأمر من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مما كان مثيرا لاعتراض بني النضير ، لأنه يمثّل نوعا من التخريب أو الإفساد الذي لا يفيد المسلمين في شيء ، باعتبار أن ذلك يمثل نوعا من الخسارة ، على تقدير انتقال الأرض إليهم. ولكن الله يقول إن ذلك لم يكن حالة مزاجية اعتباطية ، بل كل ما أمر به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقام به المسلمون (فَبِإِذْنِ اللهِ) من خلال الحكمة التي أرادها في ساحة الصراع بين المسلمين واليهود ، (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) ويدفعهم إلى السقوط تحت تأثير الهزيمة