لستم وحدكم في ساحة الصراع ، وأننا سنذهب معكم ولن نسمع لأحد من أهلنا أو من غيرهم إذا أرادوا أن ينصحونا بمفارقتكم وبالابتعاد عن هذه الموقفة الحاسمة المؤيدة لكم ، لأن المسألة مسألة مبدأ وليست مسألة وضع طارئ في مفردات المواقف ، ليكون هذا احتجاجا صارخا ضد الموقف الإسلامي الذي سوف يرتبك ويهتز أمام المشاكل الداخلية التي يثيرها خروجنا معكم ، باعتبار علاقاتنا العضوية بالمجتمع المسلم في المدينة ، في ما نملكه من علاقات اجتماعية واقتصادية ومواقع عشائرية ، الأمر الذي قد يدفع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى التراجع عن موقفه هذا (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) ونقاتل معكم ، حتى يكون الموقف في النهاية لمصلحتكم ، لأننا نملك القوة في مواقعنا الاجتماعية.
وهكذا استطاع المنافقون أن يثبّتوا الموقف اليهودي الذي كان يرى ضرورة المواجهة للنبي ، وعدم الخضوع لقرار الجلاء ، في مقابل الموقف اليهودي الآخر الذي يرى ضرورة الانسجام مع القرار ، لأن شروطه في البداية قد تكون أخف من شروطه في المرحلة الثانية ، ولأنهم لا يستطيعون الانتصار في المواجهة ما داموا وحدهم في القتال ، لأن اليهود الآخرين لم يكونوا معهم.
(وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) لأن منطقهم ليس منطق الحقيقة المعبرة عن الموقف ، بل هو موقف النفاق المعبر عن الحالة النفسية المتعاطفة مع هذا الموقف ، في الوقت الذي تنتظر النتائج في مراقبة دائمة للمتغيرات على مستوى مراكز القوة ، حتى إذا رأت القوة في جانب المسلمين ، تركت كل عهودها مع اليهود لتنضم إلى المسلمين في ما تخافه من سطوتهم عليهم.
وبهذا كانوا كاذبين في العهد الذي قطعوه على أنفسهم لليهود ، لأنهم لم يكونوا جادين فيه في حسابات المطلق ، في ما هو الموقف الحاسم الذي يتحرك في خط التضحية ، (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) لأن ذلك سوف يبعدهم