عن ديارهم ، ويفصلهم عن مصالحهم ، ويعقد علاقاتهم بالمسلمين من أهلهم ، من دون أن يحصلوا على شيء من اليهود في دار هجرتهم ، مما يجعل صفقتهم خاسرة على جميع المستويات.
(وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) لأنهم لا يؤمنون بالمسألة اليهودية ، لا في العقيدة ولا في المصلحة ، فلا قضية لديهم ليقاتلوا من أجلها على صعيد الإيمان ، (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) في الحالات التي تفرض عليهم الأوضاع أن ينصروهم ويدخلوا معهم في المعركة ، في ما يشبه المأزق الحرج (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) في عملية الفرار من المعركة ، لينقذوا أنفسهم من الهلاك ، لأنهم ليسوا في وارد الرغبة في الموت لحساب أيّ أحد ، باعتبار أن شعار النفاق هو سلامة الذات والموت للجميع ، (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) لأنهم لا يملكون أسباب النصر في موازين القوة هناك.
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) فتلك هي الحقيقة النفسية للمنافقين ولإخوانهم من الذين كفروا من أهل الكتاب ، فهم لا يعيشون في أعماقهم الشعور بعظمة الله المطلقة التي يشعر بها المؤمنون بالله ، ولا يتحسسون الخوف منه لتكون مواقع حركتهم متجهة إلى الابتعاد عن مواقع غضب الله وسخطه ، فيكونوا الأقوياء بالله في مواجهة أعدائه ، بل يعيشون الشعور بمواقع القوة المادية من حولهم ، في ما يملكه الناس سن قوة البطش والقهر ، مما يجعل قلوبهم فارغة من خوف الله ، مملوءة بخوف الناس.
ولما كان المسلمون في الموقع المميز للقوة آنذاك ، كانت مشاعر الخوف من المسلمين لدى المنافقين واليهود أقوى من مشاعر خوفهم من الله الذي لا يستشعرون الإيمان به ، (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) لأنهم لا يعرفون مدى عظمة الله ، وأن القوة بيده ، وأن العزة له جميعا ، وأن الكون لا يملك أية قوة إلا منه ، فلا قيمة لأي قوة كونية أو بشرية ليخافها الإنسان أمام قوته.