ولهذا فإن المسألة هي مسألة وعي للحقيقة الإلهية في حركة القوة الكونية ، مما لا يفهمه إلا المؤمنون.
(لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) فهم لا يواجهون المسلمين بشكل مباشر ، لأنهم لا يملكون الشجاعة التي تفسح المجال للثبات في الموقف ، على أساس أنهم لا ينطلقون من عنصر قوة داخلية ، في ما تمنحه العقيدة الإيمانية المنفتحة على الله الذي يستمد منه المؤمن القوة في مواجهته للتحديات ، مما يجعلهم يشعرون بالخوف من المسلمين الذين انطلقوا من مواقع إيمانهم بالله ليكونوا الثابتين في المواقع الصعبة.
(بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) بحيث تتحول الخلافات الداخلية في ما بينهم إلى نزاعات عسكرية يشتد فيها البأس بشكل عنيف ، فيقتل بعضهم بعضا ، مما يجعل من الصعب الوصول إلى نتيجة إيجابية لمصلحة الصلح والتسامح ، (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) فهم لا ينطلقون في علاقاتهم ببعضهم البعض من موقع العقيدة الواحدة ، والشعور الحميم المنفتح الموحد ، والقضية الواحدة التي تتصل بالمصير الواحد ، بل ينطلقون من المصالح الخاصة التي يختلفون عليها بسبب العنصر الذاتي المعقّد الكامن في داخلهم ، ولهذا فإن وحدتهم تتصل بشكل الصورة لا بعمقها.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) لأنهم لو كانوا يملكون عقلا واعيا لاستطاعوا أن يهتدوا إلى مواقع الحق التي يلتقون عليها ، ويتوحدون من خلالها في الشكل والمضمون ، سيما إذا توفر روح الإخلاص ، وهو ما يضمّهم جميعا إلى رحاب الله في مواقع رضوانه.
وإذا كانت المسألة اليهودية في نطاق هذه الصورة القلقة تتمثل في هذا الواقع الداخلي المعقد الذي يوحي بالجبن والفرقة والتنازع ، فإنه لا يمثل حالة خاصة مختصة بهم ، بل قد يتمثل في جماعات أخرى تعيش العقلية نفسها