الفكر الكافر بطريقته الخاصة ، ويضمن له النتائج السعيدة بالخيالات الواسعة والأوهام الرائعة ، حتى إذا سقط الإنسان أمام كل تلك الإغراءات الفكرية والتهاويل العاطفية ، ووقع في قلب التجربة التي يواجه بها عذاب الله ، تبرّأ منه ، (فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) فلا مسئولية لي بما كفرت وانحرفت ، لأنك تملك عقلا تميز به الصواب من الخطأ ، وإرادة تؤكد بها موقفك ، فكيف تحمّلني مسئولية ما فكرت به وأردت السير فيه؟
(إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) فلا أملك معه شيئا لنفسي فكيف أملكه لك ، ولا أستطيع تحمّل أي وضع منحرف عن رضاه وعن إرادته ، لأن ما لديّ من المواقف المنحرفة يكفيني ، فليتحمل كل شخص مسئوليته عن موقفه ، وهذا هو ما عبرت عنه الآية الكريمة : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) [إبراهيم : ٢٢].
والظاهر أن المثل بخصوص الشيطان ورد في طبيعته الشاملة لكل أفراده ، وبخصوص الإنسان في كل أشخاصه ، وليست المسألة مختصة بشيطان معين أو إنسان معين ، ولكن بعض الروايات تؤكد أن الآية تشير إلى شخص خاص كما روي عن ابن عباس الذي قال : إنه كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا ، عبد الله زمانا من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوذهم فيبرءون على يده ، وأنه أتي بامرأة في شرف قد جنّت وكان لها إخوة ، فأتوه بها ، فكانت عنده ، فلم يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت ، فلما استبان حملها قتلها ودفنها ، فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب وأنه دفنها في مكان كذا ، ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا ، فذكر ذلك له ، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول : والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئا يكبر عليّ ذكره ، فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم ،