(وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) فليس هناك أيّة قاعدة فكرية وروحية وعملية تربطهم بكم ، فمن أين جاء أساس المودة التي لا بد من أن ترتكز على التوافق في الفكر والموقف (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) في ما يمثله ذلك من موقف عدواني عنيف ، يتميّز بالقهر الوحشي الذي لا ينسجم مع أيّة حالة شعورية إيجابية ، بل يجتذب المعنى السلبي من خلال ثأر الإنسان لكرامته ولعلاقته بأرضه ، ولالتزامه بإيمانه. ولم يكن هذا الإخراج القهري المتعسف ناتجا من حالة ذاتية تؤدي إلى أن يختلف الناس مع بعضهم البعض ، فيكون ردّ الفعل قتالا أو تهجيرا أو نحو ذلك ، بل كان ناتجا عن الخط الإيماني التوحيدي الذي يضادّ الخط الكافر الإشراكي (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) فذلك هو سر المشكلة المعقدة فيما بينكم وبينهم ، فكيف تغفلون عن ذلك وتستهينون به ، في الوقت الذي لا يتناسب فيه موقفكم الموالي لهم مع خط الجهاد الذي ينطلق على أساس مواجهة كل القوى المعادية بالرفض القويّ الذي يعمل على كسر شوكة العدو ، وتدمير مواقعه ومواقفه ، فلا تسيروا في هذا الاتجاه المنحرف ، (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي) من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا ، ويكون الذين كله لله (وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) بالعمل على ما يرضاه الله في مواقع طاعته ، فإن الذي يتحرك في مسيرة الجهاد ويطلب رضا الله ، لا يوالي أعداءه ، ولا يتحرك في مواقع سخطه .. (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) حتى لا يظهر موقفكم للمؤمنين ، وتقعوا في الحرج من ذلك ، ولهذا فإنكم تتجنبون الموقف العلني ، وتلجأون للموقف السري ، (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) فإذا كنتم تستخفون من الناس ، فكيف تستخفون من الله الذي يعلم السر والعلانية ، (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) لأن السبيل السويّ يفرض على الإنسان أن تكون حركته في خط إيمانه ، وأن يكون موقفه في مصلحة قضيته ، وأن يكون سره وعلانيته في الحق سواء ، وبذلك يكون الموقف الذي اتخذتموه منحرفا عن خط الاستقامة.
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) أي إن يظفروا بكم في أيّ موقع من مواقع