الغلبة ، فإنهم يعاملونكم معاملة الأعداء بالأسر والقتل أو التشرية ، من دون أن تؤثر فيهم كل مظاهر المودة التي تقدمونها لهم ، لأن عداوتهم تنطلق من عمق الشعور المعادي لما تمثلونه من خط الإيمان بالله ، (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) كمظهر من مظاهر العداوة الحاقدة (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) لأن كلّ الضغوط التي يوجهونها للمؤمنين تتحرك في خط الفتنة عن دين الله ، لتكون الساحة كلها ساحة الشرك في عقيدته ومفاهيمه وممارساته ، (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) الذين قد تحسبون حسابهم في علاقاتكم الودية مع الكفار لتحفظوهم ، ولتأمنوا عليهم منهم ، إذا كانوا يعيشون في ديارهم ، فما هي قيمة أن يرضى عنكم هؤلاء في ما تقدمون لهم من مواقف لحساب الكفار ، إذا كان الله يغضب عليكم ... لذلك عند ما تقفون غدا بين يديه ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) ليكون الحكم الفاصل الذي يحسم الموقف في ما يختلف فيه الناس من كل القضايا المتصلة بمسألة الحق والباطل ، فهو وحده الحاكم ، وليس لأحد أي تأثير في مسألة المصير ، فالله يقضي على بعض الناس بدخول النار ، ويقضي لبعضهم بدخول الجنة. وقيل : إن المراد بالفصل بين الناس هو تقطيع الأسباب التي تربط بينهم ، رابطة نسب ، أو رابطة صداقة ، أو زواج أو نحو ذلك. والظاهر أن صاحب هذا القول ـ وهو العلامة الطباطبائي في الميزان ـ قد استوحى هذا التفسير من الفقرة الأولى التي تؤكد عدم انتفاع الإنسان بأرحامه وأولاده (١).
ولكنّ الظاهر أنها واردة في سياق الحديث عن مواجهة حساب المسؤولية من دون أي ناصر حتى من أقرب الناس إلى الإنسان. وهذا ما تعبر عنه عبارة (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) فلا حاجة لتأكيد مسألة انقطاع العلاقات بينهم يوم القيامة ، لأن ذلك هو ما توحي به الكلمة ، أما مسألة الفصل التي تعني قرار الحسم في مقام الجزاء ، فإنها تنسجم مع عدل الله ،
__________________
(١) يراجع الميزان في تفسير القرآن ، الطباطبائي ، م ١٩ ، ص ٢٣٨.