ونزلت فيه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (١).
وقد لوحظ على هذه الرواية أولا : إن ما فعله حاطب لا ينطبق على جو الآية ، لأن ما صدر منه لم يكن لونا من ألوان الولاية للمشركين ، بل كان حالة طارئة للتوصل إلى حماية أهله هناك ، من خلال اليد التي يصطنعها عندهم ، ولهذا لم يجد النبي في فعله شيئا كبيرا ، بل صدقه في اعتذاره وسكت عن أي إجراء ضده.
وثانيا : إن ما جاء في الرواية ـ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ـ لا يمكن أن يؤخذ بظاهره ـ إذا كان النص صحيحا ـ بل لا بد من توجيهه بما يتناسب مع القواعد الإسلامية في مسألة الجزاء وفي مسألة الرخصة ، لأن ظاهره هو الرخصة لأهل بدر أن يرتكبوا ما شاؤوا من المحرمات ، وأن يتركوا ما يشاءون من الواجبات ، وأن يبتعدوا عن أي خطّ إسلاميّ في كل مواقف الإنسان المسلم في الحياة ، مما يعني إلغاء الحدود الإسلامية بالنسبة إليهم. وهذا مما لا يتقبله أيّ ذهن إسلاميّ ، لا سيما إذا عرفنا أن عظمة أهل بدر كانت من أجل حماية الإسلام من الضغوط القاسية التي يضغط بها أهل الشرك عليه ، ليستقيم الخط الإسلامي في الحياة كما أراده الله أن يتحرك في حياة الناس ، مع ما يمثله ذلك من قوة الإيمان ، وروعة الالتزام في شخصياتهم. فكيف يكون ذلك أساسا للرخصة في الانحراف عن خط الالتزام؟!
هذا مع ملاحظة أن النبي حدّ مسطح بن أثاثة ، بعد ما نزلت براءة عائشة ، وكان من الآفكين ، في الوقت الذي كان فيه من السابقين الأولين من المهاجرين ، وممن شهد بدرا كما في صحيحي البخاري ومسلم. ولا يبعد أن
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ٨ ، ص : ١٢٥