(وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) في ما يمثله الكتاب من المضمون الفكري والشرعي والمنجي على صعيد النظرية الإسلامية العامة ، وفي ما توحي به كلمة الحكمة من تحريك المضمون في خط التطبيق العملي بحيث يتحول الإنسان إلى شخص يفكر بواقعية وحكمة ، فيزن الأمور بموازينها ، ويضع الأشياء في مواضعها ، في ما هو التوازن بين النظرية والواقع ، مما يجعل العلم منفتحا على حركة الواقع في حياة الإنسان ، ويجعل الواقع منفتحا على الكتاب في مسألة الوعي الحركي على أساس المفاهيم القرآنية الجديدة التي تدخل الروح في المضمون المادي فيتروح ، وتدخل الحس في المضمون الروحي فيعيش مع أجواء الحس ، في ما يحدثه من تغيير في مفاهيم الإنسان.
(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فقد كان العرب قبل الإسلام يعيشون الجهل والتخلف والعصبيات الضيقة ، كما عبر عن ذلك جعفر بن أبي طالب ـ في ما روته كتب السيرة ـ في خطابه للنجاشي : «أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ، ونسيء الجواز ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفته ، فدعانا إلى الله لنوحده ولنعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ...».
وليس معنى ذلك أن العرب لا يملكون شيئا من الأخلاق الحسنة والعادات الجيدة ، فقد كانت لهم قيمهم العالية ، وعاداتهم الحسنة ، ولكنهم لم ينطلقوا في ذلك من قاعدة فكرية أو روحية واسعة من خلال نظرة شاملة للإنسان في دوره في الحياة وموقعه من الله ، ودوره في عبادته ، وتوحيده له ،