ورفضه للتخلف في نوعية العقيدة وحركتها في وجدانه ، مما سهل للتفاهات الفكرية أن تنفذ إليه وللضلالات الروحية أن تحكم وعيه ، وللأهواء الضالة الفاسدة أن تسيطر على مشاعره ، بحيث تحولت شخصيته إلى قطع متناثرة ، تأخذ من كل موقع قطعة ، من دون أن يكون هناك أي نوع من الترابط فيما بينها ، بحيث تمثل كلا متكاملا مترابطا في وحدة فكرية أو روحية شاملة. وهذا هو الذي يؤدي بالإنسان إلى الضلال لأنه يفقد الميزان الذي يزن به صحيح الأمور وفاسدها ، والقاعدة التي يرتكز عليها خط حياته في ما يحكم البداية والنهاية.
إن قيمة النهج الإسلامي في تربية الإنسان ، أنه يؤكد على الوحدة الفكرية التي تتفرع عنها كل القضايا ، بحيث تلتقي عندها وحدة الشخصية في نطاقها العملي. وهذا ما استطاع أن يجعل من المسلمين أمة ذات أبعاد ثقافية وروحية وسياسية واقتصادية في مستوى حركة الإنسان في العالم.
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) وهم الذين دخلوا الإسلام بعدهم من الأجيال السابقة ، وقد تحدثت بعض الروايات أنهم الفرس ـ في ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة قال : كنا جلوسا عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين أنزلت عليه سورة الجمعة فتلاها ، فلما بلغ (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال له رجل : يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع يده على رأس سلمان الفارسي وقال : والذي نفسي بيده ، لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء (١). ولكن الظاهر ـ على تقدير صحة الرواية ـ أن المراد بيان النموذج من الأمم الأخرى أو الأجيال الأخرى ، لأن الآية تتحدث عن امتداد الرسالة في المستقبل الذي يحتضن الناس الآخرين من بعدهم. ويؤكده ما روي عن سهل ابن سعد الساعدي ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن في أصلاب أصلاب أصلاب
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ٨ ، ص : ١٥٢ ـ ١٥٣.